النخيل نيوز
آراءنيوز بار

وائل الدحدوح الشاهد والشهيد والشهادة


حمزة مصطفى
لم تعد تنفع مع وائل الكتابة, أية كتابة, من أي نوع وفي أي لغة. صار وائل عصيا على الحروف ضادا أم صادا أم ظاء أم طاء أم لاما. يخجل كل اللغويين من سيبوبه حتى نعوم تشومسكي من تهجئة إسمه. خرج إسمه “وائل” وكنيته “الدحدوح” ولونه المعجون بطين غزة من كل القواميس مثلما خرج عن أي توصيف أو تحديد. قبل وائل كانت “الجزيرة” القناة أو الصفة والموصوف علامة فاقت كل نظيراتها من العلامات وتفوقت حتى على عشرات العلامات التجارية في شتى الشؤون وفي كل الحقول. كان وائل قبل غزة جزءا من هذه القناة والعلامة. بعد غزة تفوقت “الجزيرة” القناة والعلامة معا وقاسمهما المشترك وائل. صارت هي الخبر ومصدره وتحليله “حلل يدويري”. الصحفيون وأيقونتهم وائل صاروا خبرا يحتاج الى تغطية وتحليل لماقبله ولما بعده. لم يعودوا مثلما هي وظيفتهم التقليدية مصدرا للخبر والمعلومة. عشرات الصحفيين قتلهم نتنياهو بدم بارد كعادته الأكثر لؤما في القتل. أراد عبر قتل هذا العدد الكبير من الصحفيين إخفاء الخبر والحقيقة والمعلومة والمأساة. لم يدر في خلده أن هناك من سيفشل خطته مثلما إنكشفت إستراتيجيته عند أولى صواريخ “طوفان الأقصى”. تصدى له وائل الدحدوح شهيدا وشاهدا ومشاهدا “بكسر الهاء” ومشاهدا “بفتحها”. لوائل قاموسه الخاص في توظيف الخطر ليعيد صياغته خبرا يتلوه على الهواء مباشرة وهو يودع قوافل الشهداء من عائلته.. الزوجة والأبناء والأحفاد. حيث يتكلم وائل تصمت اللغة. مايقوله هو الجملة فعلية أم إسمية. فعلا وفاعلا ومصدرا وصفة وموصوفا. لاتقف اللغة حائلا دون أي صياغات يقترحها وائل للجملة. وائل يقف على رأس الهرم مقلوبا أو غير مقلوب. ومثلما تغيرت كل قواعد الإشتباك في حرب غزة غير وائل كل قواعد كتابة الخبر أو التقرير أو المعلومة. كل الناس تنزف دما في الحروب لحظة الجرح أوالقتل الإ وائل. صار الدم ينزفه عند كل إطلالة وكل صناعة وكل صياغة وكل تغطية. وائل يغطي نفسه ولنفسه فهو الشاهد والشهيد والشهادة. وائل قبل “حمزة” غطى إستشهاد أم حمزة والإبنة والحفيدة. كان مهنيا وحياديا حتى في دموعه وشهقاته يقف مرابطا, صارما, صابرا, عنيدا, عنيفا باسما مبتسما قادرا على الإلقاء وإبتكار الجمل والصياغات البلاغية العذبة الجميلة. نقلت “الجزيرة” تغطية وائل لنفسه وعن نفسه وعن غزة غزته لا غزة أحد وهل هو “الإ من غزة” إن غوت أو رشدت. غزة العنيدة الشهيدة والشهادة والشهود الذين يرتقون الى السماء كل يوم, وكل ساعة, بل كل دقيقة.
في لحظة ضعف لاتليق بوائل دعونا أنا وبعض الزملاء قناة “الجزيرة” ان تنقل وائل الى مقرها للدوحة للحفاظ على حياته مثلما كتب الزميل عبد الهادي مهودر بوستا على الفيس وكتبت أنا على أكس مطالبا الجزيرة بالحفاظ “على ماتبقى من حياة وائل”. لكن صديقنا أستاذ الفلسفة الدكتور طه جزاع خالفنا قائلا إن هذا لا يليق بوائل, وائل صار أسطورة لم تعد تليق به الأماكن الآمنة. وائل أكبر من المكان وأكبر من الزمان. وائل هو الذي يصنع بعناد مكانه وزمانه ويواصل التغطية برغم نداءاتنا ونداء إبنته الذي كان يكسر الصخر حين طالبته بالبقاء على قيد الحياة لأنه لم يعد لها أحد غيره بعد إستشهاد أمها وأخيها وعدد آخر من أفراد أسرتها. لاتبكي يا أبنتي. البكاء لا يليق بك, أنت إبنة وائل الدحدوح الذي هزم شموخه جنرالات كل الحروب وفرسانها الأشاوس. حياة وائل في مواصلة التغطية. ولم تعد من مهمة للجزيرة سوى إنتظار مايقوله وائل .. شاهدا أو شهيدا أو شهادة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *