زيد الحلي
لا يعرف جيل السبعينيات من القرن المنصرم وما تلاها، أنَّ مقالة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الشهيرة (بصراحة) التي كان ينشرها في صحيفة “الأهرام” كل يوم جمعة في سنوات الستينيات، كانت تظهر في القاهرة وبغداد في آنٍ واحدٍ من خلال اتفاقٍ خاصٍّ أبرمه الدكتور حازم مشتاق رئيس تحرير صحيفة “الثورة” التي صدرت لفترة قصيرة عن المؤسسة العامَّة للصحافة في بغداد العام 1967، وبموجب ذلك الاتفاق كانت أجهزة الإبراق (التيكر) تحمل المقالة (الثمينة) حيث لم يكن لـ”الانترنت” وجود، مساء كل يوم خميس الى إدارة هذه الصحيفة في مقرها في منطقة (القصر الأبيض) ببغداد حيث تطبع في مطابع (دار الأخبار) لصاحبيها جوزيف وجبران ملكون.
لقد كنا نحن مجموعة من الصحفيين (الشباب) وقتذاك نذهب في ذلك المساء إلى مقر الصحيفة لنطّلع على المقالة الشهيرة، قبل أنْ ترى النور في مصر!، وربما قبل أنْ يطالعها عددٌ كبيرٌ من العاملين في صحيفة “الأهرام” ذاتها. كنا نقرأ لـ”هيكل” قبل أنْ يقرأه العالم بـ 12 ساعة أو يزيد، فيا لسعادة جيلنا.
إنَّ نشر مقالة هيكل الشهيرة ببغداد والقاهرة في ذات الوقت، قبل نحو نصف قرنٍ من الزمن، دلالة مبكرة على فهمٍ راقٍ للعلاقة بين الصحافة والمجتمع في العراق، إذ تشكل الصحافة واحة من الوعي الاجتماعي بين صفوف الشعب، فقد كان معروفاً أنَّ لمقالة هيكل التي أشرت إليها أهميَّة كبيرة، بل عظيمة الشأن في المدة الي ذكرتها، لا سيما في السياسة العربيَّة والعلاقة مع العالم، وتأثير ذلك في المنطقة العربيَّة عموماً، لا سيما في العراق، نظراً للسياسة المتقاربة مع القاهرة آنذاك، وقد أدى الاتفاق على النشر المشترك وظيفته المهنيَّة، إذ يُعدُّ إعلام المجتمع الوظيفة الأساسيَّة للصحافة.
وأنا أشير الى إحدى الصفحات البهيَّة في تاريخ الصحافة العراقيَّة، استذكرت قولاً مهماً في معناه ومراميه للكاتب الفرنسي الشهير “فولتير” إذ قال: “الصحافة هي آلة يستحيل كسرها، وستعملُ على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أنْ تنشئ عالمًا جديدًا”.
عليك شآبيب الرحمة الدكتور حازم طالب مشتاق، كُنتَ رئيساً لتحرير جريدة ضمت أرقى الأقلام.