النخيل نيوز
آراءعامعامنيوز بار

الشيقل: سرقة صهيونية من حضارة عراقية

أ.د عامر حسن فياض

لإلباس ثوب جديد لعملة فقدت قيمتها، بل واصبحت كلفة اصدارها تزيد عن قوتها الشرائية ذاتها، أعلن الكيان الصهيوني منذ 24/2/1980 عن اصدار عملة جديدة إلى التداول اطلق عليها اسم (الشيقل) وأجزاء الشيقل هي (الأغورة) وكل مئة وحدة منها تعادل شيقلا واحداً. وقد رافق عملية الاصدار هذه ابتزاز تاريخي، وحملات دعاية من أجل أن تعطي الصهيونيّة لتقاليدها مظهراً براقاً وتسبغ عليه المحتوى الديني والسياسي في ذات الوقت متجاوزة بذلك حقائق التاريخ.

فـ (الشيقل) هو أقدم وحدة للتعامل النقدي في التاريخ، ويمكن اعتباره من المخترعات الرفيعة التي تدين له التجارة الدولية في عصرنا الراهن، وكان من أسباب الازدهار الاقتصادي للعراق القديم ولمعظم البلدان المجاورة آنذاك.

ويرجع تاريخ التعامل بالشيقل إلى العهود السومريَّة والاكديَّة بحدود الألف الثالث ق.م وقد استمر التعامل بهذه الفئة، تارة كوحدة للوزن وتارة كوحدة نقديَّة حتى عصور متأخرة، بل إن (المنا) هي احدى مضاعفات (الشيقل).

إنَّ التسلسل الزمني لاستخدامات الشيقل وردت في الشرائع العراقيّة القديمة، والمكتشفات، والرسائل المتبادلة بين المتعاملين، الذين كانوا يعتمدون هذه الوحدة النقديّة كوسيلة من وسائل تسوية المدفوعات وأداة لقياس القيم.

وكذلك ما أورده العهد القديم (التوراة) من اشارات للشيقل كوحدة للتعامل عند الكنعانيين، وفيما بعد، عند العبرانيين عند احتلاهم لأرض فلسطين.

ولم يقتصر اقتباس اليهود من حضارات وادي الرافدين ومصر وسوريا على مجال معين من دون غيره، وإنما استخدموا كل ما هيأته لهم تلك الحضارات العظيمة من تجارة وصناعة وفنون وآداب وحتى طقوس العبادة والروحانيات، وقد أكدت كتب الحضارات القديمة تلك السرقات بالأدلة والشواهد التاريخيّة.

وبقدر تعلق الأمر بموضوع (الشيقل) كعملة أو كوزن بالتجارة والنصوص القانونيّة التجاريّة، فيمكن القول – إنَّ أول (قانون تجاري) بمعناه الصرف هو الذي ظهر عند الآشوريين، الذين ارتكزت التجارة عندهم على نوعيات متعددة من البضائع والسلع كان في مقدمتها الفضة والذهب.

وخلال أكثر من خمسين سنة مضت تم الكشف عن مئات من الرقم الطينيّة في موقع (تل الفخار) إلى الجنوب الغربي من (كركوك) ووجد أن زمنها يعود إلى العهد الآشوري الوسيط.

ومن بين هذه الرقم التي تمّ العثور عليها يمكن تمييز مجاميع خاصة مصنفة حسب الموضوع الذي تتناوله، فهناك مجموعة تخص التبني الاعتيادي والتبني يعتمد على الحيلة القانونيّة، مجموعة تخص وثائق الرهن والقروض وايجار العقار وعقود نقل الملكية، مجموعة تخص الالتزامات ووثائق الاعتراف أو التعهد، مجموعة تتعلق بإجراءات التنازل عن العقار وحقوق الإرث، مجموعة تتعلق بعقود الأحوال الشخصية.. ومن المجموعة الاخيرة نختار مثالاً ضمن بعض الأمثلة مأخوذاً من رقيم طيني ينص «أن الشخص الاول والثاني قد اتفقا على عقد زواج، وان الشخص الثاني قد أعطى أخته كزوجة إلى الشخص الاول، وقد دفع الشخص الاول هدية المهر ومقدارها 10 مواشي، 10 شيقل من الفضة، 5 مناً من الذهب».

والملاحظ في هذا المثال أن وحدتي الوزن هما (الشيقل) و(المنا) قد استعملتا كوسيلة للوفاء بالتزام مترتب على احد طرفي العقد. ويذكر الأستاذ حسن النجفي في كتيب له بعنوان (الشيغل أصله واستعمالاته) أن شريعة حمورابي – على سبيل المثال – قد خصصت لوحدها ما يقرب 120 مادة من مجموع موادها البالغة 282 لمعاملات والشؤون التجارية. وقد أنهى النجفي كراسه بدرج لائحة من مقتبسات العهد القديم (التوراة) القانونية والاقتصادية من الشرائع العراقية القديمة لا سيما من شريعة حمورابي في موضوعات عديدة منها: مبدأ القصاص، الاشهاد الكاذب، شؤون العائلة، السرقة، المخلفات، جرائم الجنس، مبدأ التجربة (الامتحان)، استخدام الحيوانات، مبدأ الاشهاد في العقود، التأمين (التعويض عن الاضرار)، الديون وكيفية استيفائها، عقوبة الاتهام الكاذب والشهادة الكاذبة، عقوبة السحر، خيانة الامانة، احترام الوالدين، عقوبة الزنى والاغتصاب وأخيراً احكام الوديعة.

من جميع ما جاءت به الدراسة نستطيع القول مع الباحث أن الصهيونية لاتقصدنا وحدنا كتراث وحضارة عراقية عريقة – أنها أخطبوط من الحقد والكراهية تسعى لان تعتم على الحضارات المضيئة وتلوث البشر جميعهم. وهي لا تسرق التراث فحسب. إنما تسرق السياسة والاقتصاد والآداب والفنون كذلك.. واذا كان الصهاينة قد سرقوا (الشيقل) و (قصة الطوفان) و (أصل الخليقة) وغيرها الكثير من حضارة وادي الرافدين في الامس، فما يمنعهم أن يسرقوا اليوم أو غداً تراث الحضارة الانسانية ومكتسباتها وعلومها وآدابها. وللمشاركة في جزء من مسؤولية ايقاف هذه السرقة وهذا النزف والتشويه الحضاري أُعد هذا التقرير في كراس صغير.. إنه على بساطته وقلة صفحاته (60 صفحة من القطع الصغير) قد سمح بعض الشيء بإزالة الغموض، ليس فقط عن اصل ومنشأ الشيقل، وإنما بتفصيلات الغموض الذي يحيط بدء وجود العبرانيين أصلا في فلسطين. ذلك أن الصهيونية قد أوقعت الكثير من الناس في الخطأ، واستعانت بتضليل الحقائق اكثر مما عني الكاتب بإيضاحها وكشفها معتمداً الحقائق التي تؤكدها المدونات التاريخية وكتب الشريعة والحوليات التي مضت عليها عشرات القرون من دون أن يمسها التحريف أو ينالها الخطأ.

وبعد.. إن هذا المجهود يستحق أن يقرأ وان يقتنى، ويستحق ايضاً أن يكون نواة في مكتبة إحياء التراث العراقي النفيس المطمور، وفي إزالة بعض اكداس الغبار والاكاذيب التي الحقتها الصهيونية بحضارتنا فشوهتها وحرقتها مع أنها وضعت الانسانية على أول مدارج القيم والمبادئ السامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *