النخيل نيوز
آراءنيوز بار

التحولات الإقليمية وأزمة الإعلام الإيراني المحافظ (4 – 4)

بقلم/ حسن فحص

الإعلام الإيراني، في شقه الرسمي أو الناطق باسم التيار المحافظ والقوى المتشددة تحديداً، حكاية فيها كثير من المفارقات التي تصيب “الإعلام الموجه أو المؤدلج”، بخاصة في اللحظات التي تشهد تحولات دراماتيكية ومتسارعة تصل إلى ما يشبه الانقلاب، إذ يجد نفسه مجبراً على التخلي عن خطابه المنسجم مع مبادئه العقائدية، والانتقال إلى خطاب أو لغة لا تشبهه أو لا تنسجم مع تلك العقائد، مما يجعله مربكاً في التعامل مع التحولات المفاجئة أو التي تحدث من خارج سياق توقعاته والتعليمات السياسية التي تملى عليه أو يبلغ بها لترويجها.
وللإعلام الإيراني غير الموالي للنظام (الإصلاحي والليبرالي) أو الإعلام الخارجي العامل في إيران، حكاية تطول، إذ وفرت له التجربة الطويلة من التعامل مع النظام وأجهزته ومنظومته الأيديولوجية والأمنية والسياسية، قدرة على استشعار مكامن الخطر والحدود المسموحة والخطوط الحمراء وما يجب أن يقال، وما يجب ألا يقال، بحيث باتت الصحف الإيرانية أو الصحافيون الإيرانيون وغير الإيرانيين يمارسون رقابة ذاتية على ما يكتبون، ويتحايلون بشتى الوسائل والصنعة الأدبية واللغوية لتمرير فكرة ما يعتقدون أنها لا تقع في دائرة رضا النظام وأجهزته، مما وفر على السلطة إنشاء جهاز رقابة مباشر، إلا أن ذلك لم يمنع من تخصيص دائرة في “جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” كانت مهمتها المراقبة اللاحقة على كل الصحف وتشكيل ملفات لهذه الصحف أو الصحافيين أو الكتاب، ترفع إلى مكتب المرشد والجهات المعنية لتكون جاهزة للاستخدام غب الطلب عندما تستدعي الأمور إيصال رسالة إلى الإعلام، كما حدث في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في ولايته الثانية، حين تقرر إقفال نحو 100 صحيفة في يوم واحد، وزج عدد من الصحافيين في السجون بعد محاكمة بعضهم صورياً أمام محكمة المطبوعات أو محكمة الثورة بتهمة الترويج لدعايات مغرضة ضد النظام وتهديد الأمن القومي، وبعضهم الآخر سجن بتهم لا علاقة لها بالصحافة من دون محاكمة. والاعتقال لم يستثن الصحافيين من الإيرانيين الذين يحملون جنسيات أجنبية، أما المحظوظ من الأجانب فكان عليه مواجهة الطرد أو الإخراج من “الأراضي المقدسة للجمهورية الإسلامية” واعتباره شخصاً غير مرغوب به.
وفي مستوى آخر لهذه الرقابة، وفي التعامل مع بعض القضايا الاستراتيجية أو ذات العلاقة بالمصالح العليا، كانت الصحف الإيرانية تتلقى تبليغاً شفهياً وبعض الأحيان في كتاب رسمي – في ما ندر – بضرورة التقيد بما يصدر عن الجهات الرسمية أو المعنية في أحد المواضيع والقضايا، تحت طائلة الملاحقة القانونية، كما حصل في التعاطي مع الأزمة السورية والدور الإيراني والتدخل في الحرب، وأيضاً في ما يتعلق بالمفاوضات النووية والمسائل العسكرية والأحداث الأمنية. يعني أن النظام وأجهزته حاولا فرض آليات ذاتية أو رسمية على الإعلام، كانت تحدد مستوى من التعامل بينهما – في الرقابة الذاتية أو التبليغ بالخطوط الحمراء – لا يشبه ما كان يحصل في لبنان سابقاً على سبيل المثال، عندما كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية، تكلف أو تعين شخصاً في كل صحيفة مهمته مراقبة ما تدفع به هذه الصحف للنشر، فإما يعمد إلى حذفه كله، أو حذف قفرات من أي خبر أو مقالة يعتقد أو يظن أن فيها تلميحاً أو تعارضاً مع سياسة الجهة التي يمثلها وتوجهاتها، بحيث تخرج الصحيفة في اليوم التالي بمساحات بيضاء داخل الخبر الواحد.

المصدر: صحيفة اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *