بلاسخارت في رسالة للحكومة العراقية: إسكات الخطاب العام يشوه صورة الدولة
عبرت ممثلة الأمين العام بالعراق جنين هينيس بلاسخارت، عن رفضها إسكات الخطاب العام، عادة اياه تشويها لصورة الدولة.
وكتبت بلاسخارت في مقال جاء فيه:
ولكي أكون واضحة: إن الأمم المتحدة لا تعمل على الترويج لبرامج تلفزيونية فردية. ومع ذلك، لن نفوت فرصة ممتازة لإيضاح أهمية حرية التعبير، بما في ذلك حرية اعتناق الآراء – والتعبير عنها بصوت عال.
والآن – عندما علمت لأول مرة بأمر هذه المبادرة، ذكرني ذلك ببرنامج تليفزيوني هولندي اسمه جولة جامعية. ويتبع البرنامج مفهوم اللقاء المفتوح بمشاركة ضيف واحد في كل حلقة.
ويقوم مذيع بتقديم البرنامج ولكن معظم الأسئلة تأتي من الجمهور: بضع مئات من الطلاب. ويكون الضيف المعني شخصية بارزة.
وقد يكون هذا الشخص محامياً أو موسيقياً أو مسؤولاً تنفيذياً أو كاتباً أو ناشطاً أو نجماً رياضياً أو ممثلاً، أو كما هو الحال هنا، سياسياً أو شخصية ذات سلطة أو مسؤولاً حكومياً أو غيره من صناع القرار.
والأهم من ذلك، أن الأسئلة التي يطرحها الطلاب لا يتم فحصها مسبقاً ولا توجد رقابة.
لماذا أقدر مثل هذا المفهوم؟ لأنه يمنح الناس – الشباب – فرصة للتفاعل مباشرة مع جميع أنواع القادة. وبصراحة، فإن أي منصة تدعم مثل هذا التفاعل هي موضع ترحيب.
كما أن مثل هذه المنصة يمكن أن تشكل الصحافة المهنية وتعزز حرية التعبير وتؤدي، لكلا الجانبين، إلى فهم أفضل لبعض الصراعات والقضايا والتعقيدات.
لذلك، عندما التقيت أنا وبستون صدفة، وأخبرني بشكل عفوي عن مفهومه، لم يسعني إلا أن أتحمس لهذا المفهوم.
أولاً، من الصحي تماماً أن يكون هناك تبادل جماهيري للآراء حول القرارات والإجراءات التي تؤثر على الحياة العامة. وثانياً، إن جيل الشباب هو الذي سيقودنا جميعا في المستقبل. وسواء أحب بعض زملائي من هذا الجيل ذلك أم لا: فإن هذا المستقبل قريب.
السيدات والسادة، لقد قلت هذا من قبل، ولكن يسعدني أن أكرره اليوم: بصفتي سياسية وصانعة قرار أوروبية ووطنية سابقة، يمكنني أن أخبركم عن تجربة أن الديمقراطية – في بعض الأحيان – عمل شاق.
وصحيح أيضاً حقيقة أن المجتمعات الديمقراطية المستدامة هي عكس المعجزات التي تحدث بين عشية وضحاها – حيث تتطلب صبراً هائلاً واستعداداً ثابتاًللوصول إلى تسويات. ويجب، لا محالة، إعطاء العملية الديمقراطية الوقت لترسيخ جذورها بشكل حقيقي.
وبينما يحدث هذا، بالطبع، يجب السماح للتفاعل بين المعارضة والحكومة وفن الرقابة البرلمانية وتبادل الآراء بين صناع القرار والمجتمع المدني، وكذلك، على سبيل المثال، تشكيل الأحزاب والائتلافات، بالعمل.
والآن – فإن جزءاً لا يتجزأ من كل هذا (لا توجد مفاجآت هنا) هو: التواصل المستمر مع القواعد الشعبية والحوار العام والإجراءات الملموسة التي تثبت أنه يتم الاستماع إلى الناس والمجتمعات والمكونات.
وفي حين أنه من مسؤولية القيادة توجيه وقيادة التواصل وتوحيد المصالح المتعارضة، إلا أن كل مواطن مسؤول عن إدراك وقبول حقيقة أن الموازنة بين الآراء والمصالح المتعددة تتطلب التوصل بصورة دائمة إلى حلول وسط.
وفي الواقع فإن الأمر بسيط للغاية: بالنسبة لصانعي القرار والسياسيين والمواطنين على حد سواء، لا يمكن لأحد استعمار المستوى الأخلاقي الأعلى ولا أحد يحتكر الحكمة. ولخدمة جميع المواطنين بأفضل طريقة ممكنة، من الضروري أن يتم سماع عدد هائل من الأصوات المختلفة. إن إجراء نقاش حيوي وصحي أمر ضروري في جميع الأوقات.
السيدات والسادة، كما نعرف جميعاً، إن حرية التعبير أحد الركائز الأساسية لأي مجتمع ديمقراطي.
إنها أمر ضروري لإنتاج أفكار جديدة ومبتكرة. وهي أداة للمساءلة ولإعلام القادة عندما لا يكون لسياساتهم أو ممارساتهم التأثير المقصود ولتمكين المؤسسات من التكيف وبالتالي الازدهار.
لذا، اسمحوا لي أن أؤكد: إن إسكات الخطاب العام أو عرقلته أو نبذه أو تقويضه يحقق أمرين فقط: إنه يشوه صورة الدولة ويضعف ثقة الجمهور.
إن الإعلام الحر هو محرك قوي آخر للتعليم والتعلم. إذ يمكن أن يسلط الضوء على الزوايا المظلمة، مما يسمح لنا باكتشاف حقائق جديدة ووجهات نظر جديدة وطرق جديدة لرؤية الأشياء.
ومع ذلك، فمن المعروف أن معظم وسائل الإعلام في جميع أنحاء البلاد لها صلة بشكل أو بآخر بحزب أو سياسي أو رجل أعمال أو زعيم. لذا، إذا سمحتم لي، أود أن أشدد على أهمية كلمة “حر” مرة أخرى.
ودعونا لا ننسى أهمية المدونين المستقلين وكتاب الأعمدة والناشطين والباحثين والصحفيين الاستقصائيين، على سبيل المثال. إنهم لا يتحدوننا فحسب، بلأيضاً يقومون بإثراء تفكيرنا وأفعالنا اليومية.
دعونا نواجه الأمر: إن جيلاً جديداً من المفكرين والمتحدثين قد أضاف إلى سجلات التاريخ – التي شكلها الفلاسفة والأكاديميون والشعراء لقرون، وكثير منهم يستفيد من أحدث التقنيات للوصول إلى جمهور متنوع.
وبالطبع فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي أداة يمكنها توزيع المحتوى بطريقة أسرع وأكثر سهولة من أي وقت مضى. وليس ذلك فحسب: بل يمكنهاأيضاً إيجاد فرص هائلة لأي سياسي أو صانع قرار. فلم يكن الدخول في تبادل مباشر للآراء مع الناخبين والمواطنين بهذه السهولة من قبل. ولم يكن الاتصال والتفاعل والشرح والاستماع بهذه البساطة من قبل.
ونعم، كما هو الحال مع أي أداة، هناك جانب سلبي أيضاً. على سبيل المثال، حملات التصيد. كما يمكن إنشاء حسابات مزيفة بسهولة ويمكن نشر معلومات خاطئة بسرعة إلى الآلاف والآلاف من الأشخاص – كما هو الحال مع التعليقات المؤلمة أو السيئة التي لا داعي لها والتي يقصد بها الحط من قدر الشخص أو إحباطه أو إحراجه.
ثقوا بي، مرة أخرى عن تجربة، وخاصة كامرأة أمام أعين الجمهور، أعرف كل شيء عن ذلك. يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي وحشية.
وبناء على ما سبق، فإن رفع دعوى قضائية عندما أقرأ تغريدة مهينة أو مقالاًينتقدني أو ينتقد سياساتنا لا يتبادر إلى الذهن. يمكننا أن نختلف، بما في ذلك على نبرة الصوت أو اللغة المستخدمة. ولكن في نهاية الأمر، ليس هناك محاسبة على الأذواق. والاختلافات – بل وحتى الصدامات في بعض الأحيان – في الرأي والنهج تجعل مجتمعنا أقوى في نهاية المطاف.
لذلك، لدي نصيحة واحدة لأي شخصية عامة: ليكن جلدك سميكاً. وإذا واجهت نقداً ومعارضة، اختر الحوار بدلاً من الانتقام.
وبالنسبة لأولئك الذين يبدو أنهم يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم بطريقة محترمة، فإن نصيحتي هي: ما لا تتمناه لنفسك، لا تعرض الآخرين له.
السيدات والسادة، بالعودة إلى حرية التعبير كركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي: إن الواقع اليوم مقلق.
ففي جميع أنحاء البلاد – وبشكل متزايد – نرى استخدام مختلف الوسائل التشريعية والإدارية وغيرها من الوسائل القانونية ظاهرياً لخنق المعارضة. أو ما هو أسوأ، العنف والترهيب والتهديد لقمع الآراء التي تتعارض مع الآراء الشائعة أو الرسمية.
والآن، لا يعني ذلك أنه لا يمكن أن تكون هناك قيود على حرية التعبير. فبالطبع، بينما يتمتع المرء بحرية التعبير، فإنه من واجبه أيضاً أن يتصرف بمسؤولية وأن يحترم حقوق الآخرين.
وفي بعض الأحيان تكون هناك أسباب وجيهة للقيود بناء على أسباب محددة بشكل واضح. ولكن في جميع الأوقات، يجب على السلطة العامة ذات الصلة أن تثبت أن التقييد متناسب ومنصوص عليه في القانون.
ونعم، عندما تستخدم القوانين، ليس للحماية، ولكن للإسكات، تتعرض حرية التعبير لتهديد خطير. شأنها، إذن، شأن واحدة من اللبنات الأساسية للمجتمع الديمقراطي.
والآن فإن الخبر الجيد هو أنه هناك دائماً فرصة لتصحيح المسار.
حيث أن حقوق الإنسان، بما فيها الحق في حرية التعبير، منصوص عليها بوضوح في دستور العراق.
وقد اعتمدت كل من حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان خطط عمل تتعلق بحقوق الإنسان. ويحدد كلا البرنامجين التزامات لتعزيز حماية هذه الحقوق.
والآن – نحن ننتظر بفارغ الصبر أن تترجم هذه الالتزامات إلى إجراءات ملموسة، بما في ذلك النهوض بحرية التعبير باعتبارها القاسم المشترك للمشاركة العامة والمدنية في جميع أنحاء العراق.
وختاماً، سيداتي وسادتي، دعوني أؤكد مرة أخرى: أي حوار عام بدون رقابة أو فحص مسبق للأسئلة يمكّن الناس من مشاركة آرائهم بحرية وبصوت عال. وهو أمر لا يسعنا إلا أن نشيد به.
وآمل بصدق ألا يحجم السياسيون والسلطات عن هذه الفرصة.
وبعبارة أخرى، آمل بصدق أن يقبلوا الدعوة للمشاركة في أي نقاش تلفزيوني محترم حول الإجراءات والقرارات التي تؤثر على الحياة العامة.
نحن بحاجة إلى الشباب لإلهامنا وتحدينا – والقيام بذلك دون خوف. وسيتعلم الجيل الحالي من القادة الكثير منهم. وينطبق ذلك عليّ أنا أيضاً، بالمناسبة. فنحن بحاجة إلى الاستماع إلى أولئك الذين سيديرون البلاد غداً.
عزيزي بستون، أتمنى لك التوفيق في هذه المساحة الجديدة والمشوقة للحوار.