النخيل نيوز
آراءنيوز بار

خلفيات وأسباب إنسحاب كُبريات شركات النفط الغربية من العراق


بقلم: د. لؤي الخطيب
كانت عودة الشركات النفطية الكبرى وتحديداً الغربية إلى العراق الحدث الأكبر بعد تغيير النظام في عام ٢٠٠٣ (سياسياً واقتصادياً) خصوصاً بعد غيابها لقرابة ثلاثة عقود منذ تأميم النفط في عام ١٩٧٢، حيث وقّعت هذه الشركات أكثر من ٤٥ مذكرة تفاهم مع الحكومة الاتحادية لدراسة حقول النفط والغاز توجت فيما بعد بجولات التراخيص وتحديداً الجولتين الأولى والثانية التان كان مقرراً لهما تحقيق سقف إنتاج يتجاوز هضبة الـ ١٢ مليون برميل نفط يومياً.
لقد قبلت الشركات العالمية حينها بالعقود المعيارية التي وضعتها وزارة النفط بشروط عقود الخدمة طويلة الأمد بهامش ربح محدود دون اعتماد صيغة عقود الشراكة والمخاطرة على أمل التزام الجانب العراقي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري الذي ينهي البيروقراطية المُعَطِّلة للمشاريع فضلاً عن الإصلاحات السياسية والتشريعية الضامنة لديمومة الإستثمارات العملاقة واستتباب الأمن والسلم الأهلي وتوزيع الثروات بعدالة، لكن كل هذا تعثر تحقيقه. بل فاقم تباطؤ العمل الحكومي والتسويف من الأزمة وكذلك التغيير المتكرر والسريع للقيادات مختلفة التوجه على إدارة قطاع الطاقة بغياب وحدة الرؤية وعدم تقدير الطبقة السياسية لأهمية حضور الشركات العالمية، مما دفع بهذه الأخيرة للتفكير الجدي بالانسحاب التدريجي من العراق، على مستوى المشاريع الاتحادية وكذلك مشاريع النفط والغاز في إقليم كردستان.
عودة الشركات الأوربية والأمريكية لم يُحافَظ عليها بصورة صحيحة ولم تُقدّر آمال وطموحات تلك الشركات الاستثمارية لضمان شراكة طويلة الأمد تكون الضامن لأمن الطاقة وتسريع عجلة إعادة الإعمار وديمومة التوسع التجاري والاقتصادي التي تصب بالدعم السياسي للبلاد. لكن استمرار التخبط في سياسات الطاقة في العراق وغياب القيادة الواعية دفعت بشركات مثل أكسون موبيل وشيفرون بالانسحاب من مشاريع الحكومة الاتحادية وكذلك استثماراتها في إقليم كردستان العراق، وانسحاب شركة شيل الأنگلوهولندية من ثلاثة مشاريع عملاقة (غرب القرنة-١، مجنون، النبراس) من أصل أربعة مشاريع في حين أن استثماراتها في شركة غاز البصرة متلكئة لقرابة عقد من الزمن حيث رُحّل إنجازها في وقف حرق الغاز حتى عام ٢٠٣٠ هذا في حال استمرت بالعمل في العراق. وكذلك الحال بالنسبة لانسحاب شركة بي بي البريطانية كمشغل رئيسي لحقل الرميلة والاقتصار بملكية أسهمها في شركة البصرة للطاقة المحدودة بعد إعادة هيكلة حضورها التجاري في العراق. كما لا ننسى فشل شراكة بيكتل وهانيويل الأمريكيتين في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية لتسريع تطوير مشاريع الغاز.
هذه الانسحابات وغيرها تركت الساحة فارغة للشركات الروسية والصينية وتوتال الفرنسية، وهي ذات الشركات التي دخلت للسوق النفطية العراقية بصورة سريعة ومثيرة للجدل قُبيل انهيار النظام البائد.
في المحصلة، تسيطر شركات النفط والغاز الروسية الخاضعة للعقوبات الدولية وشركات النفط الصينية على معظم العقود النفطية في العراق، وهذا جعل مستقبل العراق اقتصادياً مرهوناً بمستقبل الاقتصاد الروسي والصيني.
ومما زاد الطين بلّه، توجه القوى السياسية المنضوية تحت قبة البرلمان العراقي بالدفع نحو اعتماد بيع النفط العراقي بعملات غير الدولار الأمريكي، وهي ذات التوجهات الفاشلة التي اعتمدها نظاما صدام والقذافي والتي كانت عاملاً من عوامل انهيارهما. هذا فضلاً عن انحسار نشاط القطاع المصرفي العراقي ليقتصر على تعاملات نافذة العملة والمتاجرة بالدولار دون الامتثال لضوابط الفيدرالي الأمريكي مما دفع بالخزانة الأمريكية لفرض عقوبات على ٢٦ مصرفاً وتعطيل الاقتصاد العراقي أكثر مما كان معطلاً.
كما لا ننسى تزاحم الجهات الرقابية (غير المختصة فنياً واقتصادياً) بالتدخل في عمل الجهات التنفيذية المختصة بحجة مكافحة الفساد وسوء الإدارة مما خلق حالة هلع لدى التنفيذيين في اتخاذ القرارات خوفاً من الملاحقات القانونية غير المنطقية والتي تعثّرت بسببها مشاريع كبرى أثّرت سلباً على الاقتصاد العراقي وغياب الخدمات فضلاً عن خسارة العراق لعشرات المليارات من الدولارات سنوياً بس هذه السلوكيات البوليسية والمُسيّسة.
وفوق كُل ما ذُكر، لم تُوَّفق الطبقة السياسية في الاتفاق على قانون اتحادي لإدارة النفط والغاز وتوزيع الثروات بعدالة استناداً إلى دستور عام ٢٠٠٥ والضامن لوحدة العراق اتحادياً وصيانة عقده الاجتماعي، كذلك استمرار شرذمة قطاع الطاقة في ثلاثة وزارت (النفط والكهرباء والصناعة) دون وحدة قيادة ورؤية، في حين تعثر الملف الأمني محلياً وإقليمياً، حيث يشهد المستثمرون الكبار حوادث الاقتتال بين الفصائل المسلحة إضافة إلى انتهاك السيادة العراقية من بعض دول الجوار بل وحتى من الجهة التي قادت عملية تغيير النظام ابتداءً، الولايات المتحدة. كل هذه الأسباب وغيرها دفعت الشركات الكبرى لإعادة حساباتها.
ختاماً، وبعد مضي عقدين من الزمن على تغيير النظام، الشركات العالمية الأوربية والأمريكية النفطية تقرر مغادرة العراق تِباعاً وترفض العمل فيه. هذه هي العلامة الفارقة وحجم الثقة في سِفر النظام الحالي والموديل الاقتصادي المُعتَمد والسياسات الحاكمة لإدارة الدولة.
ملف الطاقة معقد ويدخل في صميم إعادة إعمار الدولة العراقية ولجعل العراق لاعباً أساسياً في أمن الطاقة العالمي. هذا الملف بحاجة لقيادة ذات خبرة دولية تعي مسؤولية إدارة استثماراته وأسواقه: اقتصادياً وعالمياً وجيوسياسياً على المدى البعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *