زيد بنيامين
أعلنت شبكة سي ان ان الاميركية تعيين مارك تومسون رئيسًا للشبكة بعد اشهر من الاضطرابات التي رافقت شراء وارنر برذرز لها وتعيين كريس ليخت مسؤلاً عنها في محاولة لانقاذها.
مثل شراء الشبكة دليلا على حاجة المؤسسات الكبرى لأذرع إعلامية في عهد وسائل التواصل الاجتماعية لكن تولي كريس ليخت كانت له آثار معنوية ستدفع الشبكة ثمنها لفترة طويلة.
اعتمد ليخت أسلوب ادارة بات يُعرف في صناعة التلفزيون بـ “انتزاع الاحشاء” أي أن يأتي مسؤول جديد بشعار الانقاذ ورفع ارقام المشاهدات ويقوم بانهاء خدمات الفريق الصحفي السابق واستبداله بفريق جديد تماًما بحجة انه لم يعد لديه الوقت للبحث عن الكفاءات او تنشيطها او بنائها من الفرق القديمة او تحميل الموظفين السابقين مسؤولية الفشل.
سرعان ما تسبب هذا الأسلوب في انهيار المعنويات وتحول الموظفين إلى عوامل سلبية نشطة وقيام تيارين احدهما موالي واخر معارض وبات الاستقطاب الذي كانت تغطية سي ان ان في الخارج جزءا من حربها الداخلية التي شتت الانتباه عن دورها الإعلامي الاساسي وقيام مناخ بين الموظفين مفاده انه مهما قدمت لمؤسستك فأن مصيرك سيكون بيد رجل من الخارج كل ميزته عليك انه يمتلك علاقات شخصية ممتازة مع المدير الجديد او من فريق معارفه.
ما عزز من انعزال ليخت هو اختياره غرفة في الطابق الثاني والعشرين من مقر سي ان ان حيث انعزل تماما عن غرفة الاخبار “العدوة” التي اصبحت تعارض كل شيء يقدمه ومن ذلك مغامرته الكبرى في استضافة المرشح الجمهوري دونالد ترمب في جلسة حوارية سرعان ما تمكن ترمب ومناصريه إلى تحويلها إلى منصة يتحكمون بها بما عرف عن زعيمهم من براعة وخبرة في العمل التلفزيوني.
مجلة اتلانتك كتبت مقالا مطولا عن اسلوب “انتزاع الاحشاء” لليخت الذي يدأ يتسلل إلى المؤسسات الإعلامية الاميركية في مسعى لانقاذها من تراجع المشاهدات.
يعتبر البعض ان “أسلوب انتزاع الاحشاء” في الادارة التلفزيونية هو النتيجة الواضحة لأسلوب “القبول بالوضع الراهن” فبعض مدراء التلفزيون يعتقدون ان ترك الأمور على حالها دون تطوير في قسم الاخبار قد يكون الحل الأفضل لبقائهم طويلًا في مناصبهم الإدارية وبالتالي يقود هذا التسليم للأمر الواقع إلى ثورة “على المستنقع” بطريقة الرئيس السابق دونالد ترمب فيتم الاستعانة بادارة صاخبة تدعي ان لديها الحلول ويكون اول حلولها التخلص من الموظفين اصحاب الخبرة الذين يمكن تعديل توجهاتهم وخبراتهم بقليل من التدريب لانهم في النهاية كانوا ينفذون استراتيجية خاملة وضعتها ادارات الطوابق العليا في السابق.
او قد يؤدي الامر إلى مجيء المدير الحالم الذي يكون من خارج الوسط التلفزيوني والصحفي والذي يقع ضحية للمدراء الاقل المستوى الطموحين الذين قد يعتبر خبرتهم حلا لنقص خبرته وبالتالي يكون العوبة بيد احد مدراء المستوى المتوسط في الادارة.
او قد يؤدي إلى مجيء نوع آخر كذلك الذي استعانت به سي ان ان مارك تومسون الذي يمكن تسميته (المدير التجاري) لصحيفة نيويورك تايمز.
تولى تومسون منصبه الفعلي هذا عام 2012 قادما من BBC وكان عليه وضع استراتيجية في عقد كانت ملامح صعود وسائل التواصل الاجتماعي قد بدت واضحة (عربيا بدأت آثار ابتعاد القراء عن الصحافة الورقية في 2014 و 2015) مع صعود عهد المؤثرين.
كتب تومسون رسالة إلى الموظفين قائلا ان تركيز الصحف الورقية على الأوضاع المحلية (ويقصد في نيويورك وضواحيها) قد انتهى، وان الحل سيكون بتطوير مدى نيويورك تايمز القومي والعالمي من اجل ان تصل نسختها الورقية إلى اكبر مساحة من المهتمين، وحول مراقبة الأوضاع المحلية إلى قسم الديجتال بعد ان وضع استراتيجية جديدة لهذا القسم من خلال تعدد الأساليب التي يصل من خلالها إلى القارئ عبر المنصات.
خلال هذه التغيرات لم نسمع عن نيويورك تايمز انها قامت باعتماد سياسة انتزاع الاحشاء بل ساعدت موظفيها على التحول واصبحت مركز استقطاب للصحفيين الجدد الذين جلبوا خبرتهم الالكترونية فيما حافظ الصحفيون الورقيون على عامل الثقة والعمق في التحليل وتناول الموضوعات، وبفضل ذلك اصبحت نيويورك تايمز من اهم منافذ صحافة البيانات على مستوى العالم.
ما ساعد تومسون واستراتيجيته الإلكترونية ايضا هو وصول دونالد ترمب للسلطة وشنه حربًا على الصحافة حيث ازداد الاقبال على المؤسسات التقليدية في مسعى من القراء لحماية الديمقراطية.
خلال الفترة التي تواجد فيها تومسون في نيويورك تايمز ازدادت عائداتها من 1.5 مليار دولار في 2012 إلى 2.2 مليار دولار في 2023.
ما يمكن ان يفعله تومسون مع سي ان ان كتلفزيون اخباري غير واضح حتى الان، لكن ردود الفعل في صالة التحرير تبدو إيجابية، فالموظفون يثقون ان المدير الجديد لديه من الخبرة الكافية ما يجعله حكمًا عادلًا يقدر إمكانيات كل فرد فيهم ويمكنه تطويرها، وهذا ينتظره خطوات عملية بالأخذ بنظر الاعتبار وجود الاساس الصحي لذلك.
اما على صعيد الاستراتيجية الالكترونية فيبدو تومسون خبيرا فيها وستستفيد سي ان ان من وجوده في ظل عدم وجود استراتيجية في هذا المجال كما يقول محرر الشؤون الإعلامية فيها.
ويبقى رفع مستوى مشاهدات التلفزيون التحدي الأكبر حيث تأتي قناة فوكس نيوز في المقدمة باعتمادها على مجموعة برامج الرأي اليميني و MSNBC التي تعتمد على كوكبة من برامج الرأي اليساري فيما تواصل معدلات المشاهدة لسي ان ان بالتراجع من 2.5 مليون خلال انتخابات 2020 إلى 800 الف خلال أوقات الذروة العام الماضي.
اعتماد سياسة تشبيب القناة قد يؤدي إلى نفور الأجيال الأكبر عمرا الذين يعتبرون عماد العملية الانتخابية الاميركية والمشاهدة الإخبارية التلفزيونية والذين يعتمدون في مشاهداتهم على عامل الخبرة في المقدم او العمق في المادة، وقد لا يضمن جذب الأجيال الأكثر شبابية الذين يعتمدون في مصادرهم الإخبارية على المؤثرين الذين يصلون اليهم على هواتفهم بدرجة اكبر.
وقد يكون التوازن هو بخلق منصات إلكترونية شابة وقناة تلفزيونية تعتمد على وجوه الخبرة لكن السؤال الأول الذي يواجهه تومسون هو ما إذا كان عليه المضي قدما في “سياسة منتصف الطريق” التحريرية من خلال جعل CNN مصدرا للأخبار للطرفين اليميني واليساري وما بينهما، والإجابة على السؤال ليست بعيدة زمنيا مع قرب انتخابات 2024 الرئاسية ووقتها سنرى إذا ما كنا امام النسخة الاميركية من BBC ام غير ذلك.