النخيل نيوز
آراءنيوز بار

الدنيا بصرة


بقلم/ د. حسن مدن
من الأقوال الشائعة في بلدان الخليج العربي القول الشهير: «الدنيا بصرة»، والذي يقال للتعبير عن حال الفرح والبهجة والرخاء ويسر الحال، فحين يجري الحديث عن أوقات أو فترات زمنية توفر فيها شيء من هذا، يقال إن «الدنيا بصرة»، أو «كانت الدنيا بصرة». وأصل هذا التعبير عائد، على الأرجح، إلى ما كانت عليه البصرة من ازدهار تجاري وثقافي وفني في مراحل سابقة، وليست بعيدة كثيراً بالمناسبة، فالحديث هنا إنما يدور عن مطالع القرن العشرين ومنتصفه، حين كانت البصرة محط أنظار أهل الخليج من تجار اللؤلؤ، ومن المهتمين بالثقافة والفن، ومن الناس الراغبين في فسح للترفيه والأنس، لم تكن متاحة في بلدانهم آنذاك.

وقصد أوائل المطربين الخليجيين البصرة لتسجيل أغنياتهم، ولأول مرة، على أسطوانات، ما يسَّر لها الانتشار، والحفظ في الذاكرة الغنائية والموسيقية لبلدان المنطقة، والحق أنهم قصدوا من أجل ذلك بغداد والقاهرة وبومبي أيضاً، ولكن الوشائج مع البصرة كانت أقوى بحكم القرب الجغرافي والتداخل المجتمعي والأسري.
وفي حديثٍ قريب مع صديقي الشاعر علي عبدالله خليفة، الذي بالإضافة إلى دواوينه بالفصحى، كان أهم من كتبوا الموال الشعبي، واهتم بدراسته بحكم اختصاصه في الأدب الشعبي، أوضح أن الموال الشعبي إنما وفد إلى بلدان الخليج، أول ما وفد، من البصرة، حيث شاع استخدام الموال لدى الموالي في مزارع نخيل البصرة ومنها ارتحل إلى بعض البلاد العربية ومنها منطقة الخليج العربي القريبة، حيث تأثر به كتاب ومنشدو الموال في الكويت والبحرين بصفة خاصة.

وهذا ما يفسر أن الموال قياساً إلى الشعر النبطي ظلَّ ظاهرة ساحلية، أي إنه شاع في المدن الساحلية، فيما ارتبط الشعر النبطي ببيئة البادية بصورة خاصة، والدراسات المتيسرة حول الموال في بلدان المنطقة تظهر أن نصوصه عبّرت إلى حد كبير عن معاناة العاملين في الغوص، والمزارعين.
وحين نذكر البصرة، فإننا بصدد واحدة من أهم وأعرق الحواضر العربية والإسلامية التي تنافست مع الكوفة في وضع قواعد النحو العربي، ووهبت الأدب العربي، وعلى مر التاريخ أسماء مهمة، بينها الحسن البصري الفقيه المشهور والجاحظ الكاتب الموسوعي، وإن ننسى فلا ننسى الحلاج الذي أتى البصرة مع والده وهو في العشرين من عمره، وفيها أخذ مبادئ التصوف عن عمرو المكي.
والبصرة غابة من النخيل والشعر، وسيكون الحديث عنها ناقصاً إن لم نذكر أنها مدينة بدر شاكر السياب، وفيها ووري جثمانه، بعد أن أقعده المرض وهو في غربته بالكويت.
لم تعد «الدنيا بصرة»، لا في البصرة نفسها، ولا في العراق الذي نحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *