النخيل نيوز
في سياق متصلنيوز بار

تحوّلات الإعلام الأمريكي: من كوميديا كولبير إلى إمبراطورية اليمين المتطرّف

ضجّت الولايات المتحدة قبل أيام بخبر إلغاء برنامج الكوميدي الشهير ستيفن كولبير، أحد أبرز البرامج الحوارية الساخرة وأكثرها تأثيراً في المشهد التلفزيوني الأمريكي. قد يبدو هذا الخبر ثانوياً وسط المجاعة الكارثية في غزة وتحوّلات منطقتنا، لكن ما سبقه من تطورات في مؤسسات الإعلام الأمريكية، تحديداً في شبكة CBS، يشير إلى تغيّر عميق في بنية الصحافة الأمريكية وربما مستقبلها.

شبكة CBS، المملوكة لشركة Paramount Global، لطالما مثّلت صوت ما يُعرف بـ”الوسط السياسي” الأمريكي. جمهورها تقليدياً من البالغين فوق سن الخمسين، وغالباً ما يتابعون الأخبار دون انخراط فعّال في العمل السياسي. لكن التغيّرات الأخيرة في CBS، على رأسها إلغاء برنامج كولبير، وتغيير رئيس تحرير برنامج “60 دقيقة” المخضرم، أثارت تساؤلات عن الضغوط السياسية التي تخضع لها الشبكة.

ففي يوليو 2024، أعلنت Paramount Global عن اندماج مرتقب مع شركة Skydance Media، المملوكة لديفيد إليسون، نجل الملياردير المعروف لاري إليسون، أحد أكبر داعمي إسرائيل واليمين الأمريكي. هذه الصفقة جاءت بعد سلسلة قرارات مثيرة للجدل، أبرزها دفع CBS تسوية مالية قدرها 16 مليون دولار للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتسوية قضية اعتبرها خبراء القانون خاسرة سلفاً، ما اعتبره كثيرون “رشوة سياسية” لضمان تمرير صفقة الاندماج من الجهات التنظيمية.

الإعلام والأموال والسياسة

منذ قرار المحكمة العليا عام 2010 في قضية “Citizens United v. FEC”، الذي فتح الباب أمام تمويل غير محدود للانتخابات من قبل الأثرياء، تغيّرت قواعد اللعبة السياسية في الولايات المتحدة. هذا التغيير بلغ ذروته في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حين دعم كبار رجال الأعمال، من بينهم إيلون ماسك (277 مليون دولار)، حملة ترامب بمليارات الدولارات.

هذا التمويل لم يقتصر على السياسة، بل امتد إلى الإعلام. أحد أبرز الأسماء في هذا المجال هو لاري إليسون، مؤسّس شركة Oracle وصديق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. إليسون الأب موّل ابنه ديفيد بمئات الملايين لإنشاء Skydance Media، التي تنتج أفلام آكشن ضخمة ذات طابع ترويجي أحياناً للرواية الإسرائيلية، كما في فيلم World War Z.

من الكواليس: CBS تتحوّل

التحولات في CBS لم تكن فجائية، لكنها تسارعت بعد 7 أكتوبر 2023. فقد بدأت عائلة ريدستون، المالكة لParamount Global وCBS، التدخّل بشكل مباشر في السياسة التحريرية للشبكة، ورفض أي محتوى ينتقد إسرائيل. أدى هذا إلى استبعاد صحافيين واستقالة آخرين، وإلغاء برامج لطالما شكّلت صوتاً نقدياً في الإعلام الأمريكي.

وجاءت المفاجأة الأكبر مع المفاوضات الجارية في يوليو 2025 بين ديفيد إليسون ومنصّة The Free Press لشرائها مقابل 250 مليون دولار. المنصّة التي أسّستها باري وايس، الصحافية السابقة في “نيويورك تايمز”، لطالما روّجت لأخبار مضللة تحت غطاء “الصحافة الحرة”، خصوصاً حول غزة والسكان الأصليين في كندا. وايس، المعروفة بصهيونيتها الصريحة منذ أيام الجامعة، بنت جمهوراً من الأثرياء البيض والقوميين اليمينيين، وتقدّم خطاباً يتقاطع مع أجندة اليمين المتطرف الأمريكي، ويُبرّر في ذات الوقت الرواية الإسرائيلية.

إلى أين تتجه الصحافة الأمريكية؟

ما يحدث في CBS ليس حالة منعزلة. إنه مؤشّر على تغيّر أعمق في الإعلام الأمريكي، حيث يزداد نفوذ المليارديرات الداعمين لليمين الصهيوني، ويتحوّل “الوسط السياسي” تدريجياً إلى فئة مهيّأة لتقبّل الروايات الرسمية والأكاذيب المغلّفة بعبارات “التحقيق الصحافي”.

الأمريكيون الذين يمثّلون هذا الوسط لن يدركوا، وهم يتابعون نشرات الأخبار، أنهم كالسمكة التي تسبح في قدر يغلي ببطء. إذ باتت منصّاتهم الإعلامية، التي نادراً ما استضافت فلسطينياً على شاشتها، تبثّ الأكاذيب يومياً على أنها “حقائق”.

في المقابل، تتجه الأجيال الشابة، غير المرتبطة بالبث التلفزيوني، إلى محتوى مختلف على تيك توك ويوتيوب، في مشهد إعلامي يزداد انقساماً. لكن الفجوة تزداد، ومعها يزداد خطر الرواية الواحدة، التي يموّلها الأثرياء، ويقدّمونها على أنها “الواقع الوحيد الممكن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *