النخيل نيوز
آراءنيوز بار

تصريحات المشهداني… بين حرية التعبير والانضباط السلوكي: دعوة للاحتكام إلى القضاء لا إلى الكراهية

سالم حواس الساعدي

في زمن تتعالى فيه الأصوات وتحتدم فيه التجاذبات، تأتي تصريحات بعض الشخصيات السياسية لتثير جدلًا واسعًا يتجاوز مضمون الكلام إلى تأثيره على السلم الأهلي والتماسك الوطني.
ولعل تصريحات السيد رئيس مجلس النواب محمود المشهداني الأخيرة ليست الأولى من نوعها، لكنها تعيد فتح ملف حساس:
متى يكون الكلام حرية؟ ومتى يصبح تهديدًا لوحدة البلد وسلامه الاجتماعي؟
أولًا: التحليل النفسي للتصريحات
من المنظور النفسي، تُعد التصريحات الانفعالية في بيئة متوترة قانونياً وسياسيًا واجتماعيًا بمثابة صب الزيت على النار. فالكلمات التي تنطوي على تلميحات عدائية أو استعلاء أو تقليل من شأن الآخرين، لا تُستقبل بعقل بارد، بل تُغذّي مشاعر الغضب والانقسام وتُرسّخ الكراهية الجمعية بين فئات واسعة من الشعب.
الكراهية، كما يشير علم النفس الاجتماعي، لا تولد في يوم، لكنها تُغذّى من خلال الرموز والكلمات والشخصيات المؤثرة، وهنا تكمن الخطورة:
أن يصبح السياسي أداةً لنقل الاحتقان بدلًا من أن يكون صمام أمان.
ثانيًا: الإطار القانوني والدستوري والسلوكي والبدائل المؤسسية
حرية التعبير مكفولة بموجب الدستور، لكن ليست مطلقة. فوفقًا للقوانين العراقية النافذة، ومنها قانون العقوبات وقانون مكافحة الارهاب والنصوص ذات العلاقة ، فإن أي تصريح يتضمن تحريضًا أو ازدراءً لطائفة أو جهة أو يمس السلم الاجتماعي، يُعد مخالفًا للقانون.بل يكون جريمة تحت طائلة العقاب .
وبدلًا من تحويل التصريحات إلى ساحة لإثارة النعرات الطائفية أو القومية أو الشخصية، فإن القضاء هو المرجعية الأعلى لمحاسبة المسيء، مهما كانت صفته. كما أن هناك قواعد للسلوك النيابي والسياسي يجب أن تحكم التصريحات والظهور الإعلامي، وهي ليست مجرد شكليات، بل ضمانات لعدم انفلات الخطاب من ضوابطه.
ثالثًا: لماذا لا نحتكم إلى القضاء بدلًا من الفوضى الإعلامية والتشهير والرد والرد المقابل ؟
في بلد يمر بمرحلة دقيقة مثل العراق، فإن التصعيد الإعلامي لا يخدم سوى أعداء الاستقرار والوحدة. حين نلجأ إلى الإعلام بديلًا عن المؤسسات القضائية، فإننا نشرعن الفوضى وندفع نحو التشظي.
أما اللجوء إلى القضاء فهو المسار الحضاري لأي خلاف أو إساءة.
شحن الجمهور وخطورته من الناحية التفسية والقانونية :
إن الرد على تصريح مسيء لا يكون بإطلاق تصريحات مضادة ولا بشحن الجمهور، بل يكون عبر مذكرة قانونية، أو شكوى موثقة، أو تحقيق علني تُفعل فيه أدوات المساءلة بعيدًا عن الشتائم والتهديد والاتهام الجماعي وبخلاف ذلك سيبقى الاحتقان النفسي والانفعالي دون معالجة قانونية او اجتماعية او نفسية مؤثراً بشكل متفاقم وخطير .
الخلاصة والخاتمة:
اقول لا تُحكم الأوطان بالتصريحات… بل بالقانون وبقواعد السلوك وتطبيقاتها فالوطن أكبر من الكلمات، وأقوى من الأصوات العالية. دعونا نُرسّخ ثقافة المساءلة القانونية والدستورية والانضباط السلوكي، بدلًا من ثقافة الكراهية والانقسام.
فالاختلاف او حتى التجاوز لا يبرر إشعال الكراهية بين الملايين.
ولنعِد الثقة إلى مؤسساتنا القضائية، فهي الملاذ الآمن عندما يعجز الإعلام عن أن يكون مسؤولًا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *