
زيد الحلي
كان الهاتف الأرضي في المراحل القريبة المنصرمة من حياتنا ، ركيزة أساسية في منظومة الاتصالات ، ورمزاً من رموز السيادة الوطنية ، فهو الوسيلة الأكثر أماناً واستقراراً للتواصل بين الأفراد والعوائل والمؤسسات ؛ ومصدراً حيوياً تعتمد عليه مفاصل الدولة في الإدارة والربط بين الوزارات والمواطنين. ورغم التطور الكبير في عالم الاتصالات وظهور الهاتف النقال، فإن فقدان الهاتف الأرضي بشكل شبه تام في العراق، يعدُّ خسارة كبيرة يجب التوقف عندها.
ما يثير الاستغراب أن العاصمة بغداد والمحافظات، ما زالت تمتلك بنى تحتية واسعة للهاتف الأرضي من بدالات وأعمدة وكابلات ، لكن هذه الإمكانات الهائلة تُركت لتتهالك بلا صيانة أو تطوير، وفي الوقت نفسه، نرى كيف تحتفظ دول العالم كافة بالخدمة الأرضية، بل تدمجها بذكاء في منظومات الاتصالات الحديثة لضمان استقرار الخدمات وتعدد مصادر الاتصال.
إن الاعتماد الكامل اليوم في العراق على شركات الهاتف النقال يُعدُّ خطراً استراتيجياً حقيقياً. فأي خلل في هذه الشركات أو قرار تتخذه بناءً على مصالحها التجارية أو الضغوطات السياسية، قد يؤدي إلى انقطاع تام في التواصل على مستوى البلد بأكمله ، وقد شهدنا في أوقات كثيرة ضعف الشبكة، أو ارتفاع الأسعار، أو حجب الخدمات دون إنذار، ما يبيّن هشاشة هذا الاعتماد الأحادي ، فالهواتف المحمولة تعاني من عدة مشكلات مختلفة لأنّها تعتمد على شبكة من موجات الراديو والأبراج الخلوية والأقمار الاصطناعية، وفي بعض المناطق من الوطن تعاني الخدمة الخلوية من انقطاع المكالمات والاستقبال الضبابي.
من هنا، نُطلق الدعوة بصدق وإصرار إلى الجهات المعنية لإعادة الحياة إلى الهاتف الأرضي، لا كمجرد خدمة اتصالات، بل كعنوان للسيادة الوطنية والتنوع التقني. فالبديل الآمن لا يمكن أن يُهمل، ولاسيما إذا كانت مقوماته ما زالت قائمة. أن إعادة تفعيل الهاتف الأرضي في العراق تعني ضماناً لأمن الاتصالات، وتعزيزاً للثقة بين المواطن والدولة، ووضع حدٍّ لتحكم الشركات الخاصة بمصير خدمات أساسية.
بكلمة صغيرة بحجم القلب أقول ، إن الهاتف الأرضي ليس ماضياً منسياً، بل ضرورة حالية ومستقبلية، وهو استحقاق وطني بامتياز.