النخيل نيوز
آراءنيوز بار

عن شريك الأحلام بعراق آدمي.. عن علاء حسن

علي عبدالأمير عجام

في الأسبوع الثالث بعد سقوط نظام صدام حسين، عملت على اصدار أول صحيفة يومية في بغداد لا تمدّ يدها إلى أملاك الدولة العراقية، بل يحسب لها انها أعادت للمطابع العراقية دورها البارز: طبع الصحف بعد سنوات من العمل التجاري المحض. هكذا كانت تجربة “نداء المستقبل” التي كانت بالأصل اسبوعية تصدرها حركة الوفاق الوطني العراقي في السليمانية أثناء سلطة النظام الديكتاتوري.

جمعتني التجربة الأثيرة إلى نفسي، وإن كانت قصيرة فقد أمتدت من الثاني والعشرين نيسان 2003 إلى منتصف حزيرن من العام ذاته، إلى اثنين من العائلة العتّابية الكبيرة، فلاح مصمماً ومنفذا وعلاء كاتباً ومحرر أخبار من طراز فريد.

عتبة اللقاء المهني والانساني بعلاء حسن أوصلتني برحابة إلى مشوار غير الصحافة المكتوبة، فبعد تكليفي بمسؤولية راديو سوا في بغداد، كان علاء الأنيق الحضور الفكري والاجتماعي شريكي في انجاح تلك المسوؤلية، وظل مطولاً يردد بصوت مشوب بضحكة خفيفة ما قلته له: ستكون معي في سوا.

تصاعد صوت علاء في الأثير العراقي عبر تقارير بدت أشبه ببرقيات الأمل عن عراق كنا نريده أن يعبر الأيام السود نحو غيرها من أيام الحياة الحرة الكريمة. ليس السبق الصحافي وحسب ما تضمنته تقارير علاء حسن بل السبك المحكم في الايجاز والصوت وهما صفتان ملازمتان للتقرير الاذاعي.

في أيام العمل عبر راديو سوا التي جمعتني بالصديق والأخ علاء توطدت صلتنا حد أنه صار بمثابة الشريك في أكثر من مشروع صحافي أسسته وعملت عليه بعد 2003 لثقتي المطلقة به التي أكد استحقاقه لها من خلال العمل الجاد والمبتكر ناهيك عن محبة اينعت في حديقة حسن العتابي وأزهرت.

زارني الكاتب والصحافي الأميركي الأشهر توماس فريدمان في حزيران 2003 ضمن عمله على تحقيق خاص بآفاق عراق مابعد صدام. كان علاء في مكتبي حين دخل صاحب أشهر عمود رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” فقدمت فريدمان لعلاء الذي بدا منبهرا بلقاء مع اسم على هذا النحو من الأهمية في عالم الصحافة على امتداد العالم، فيما قدمت رفيقي للسيد فريدمان واصفاً إياه على هذا النحو: “إليك ورشة عمل صحافي وليس مراسلا وحسب في اذاعتنا العراقية المضمون والهوى مع أنها أميركية وهي الأبرز هذه الإيام والأكثر حضوراً بين الجمهور المحلي”.

تركت العمل في راديو سوا، بحكم مسؤولياتي الصحافية والثقافية، ليتولى ادارته الزميل والصديق عماد الخفاجي الذي أحاط علاء حسن بمثل ما أوصيته به من اهتمام وثقة، لأصل إلى نقطة قطيعة مع مكان كنت أريده وأبا أحمد، مكاناً جديراً بحياة آدمية كريمة، فقد أغتيل بوحشية شقيقي ومعلمي في الفكر والحياة، قاسم عبدالأمير عجام، ومعه انتهى ربيع عراقي قصير غادرت على اثره لأواصل العمل الصحافي المرئي هذه المرة عبر قناة الحرة من واشنطن. لم انقطع عن صاحبي مثلما هو كان مواصلاً ثناءه على ما أقدم في نشرة الأخبار العراقية التي تبث في الثامنة مساء كل يوم وكنت أتولى تحريرها وبرنامجي الأسبوعي “سبعة أيام”. كنت أفرح بصوته حتى وإن كان يأتي ناقداً بسخرية عجيبة من أوضاع البلاد، كأنني بذلك أستعيد الآمال التي جمعتنا في فترة العمل ببغداد.

لم يطل الوقت حتى يأست مرة أخرى وهذه المرة من التجربة الأميركية في العراق لأغادر واشنطن وأنا اتعقب الخطوات والتفاصيل في ذهاب البلاد الى مسارات عدة من الخراب لكنها لم تفت من عضدي فجمعتني تجربة أخرى بعلاء الحبيب حين قمت من العاصمة الأردنية في عام 2011 بتأسيس واحد من أوائل المواقع الصحافية الاخبارية العراقية وحمل عنوان “ساحات التحرير”، فكان في تقاريره أحد أعمدة العمل المتجدد الذي تواصل لنحو ثلاث سنوات.

تقطعت بي السبل لكنها لم تتقطع مع أبي أحمد الذي ظل على قيد الحكمة الساخرة كما اسميها، وهي فرادة أخرى يتميز به رجل فريد في وقتنا الملتبس، رجل على هيئة قلب نابض بالحب والأمل والرجاء، وهو ما يجعله أبدا يدق على أبواب أرواحنا فلا نملك سوى أن نفتحها له ثم نعانقه بكل فرح وسرور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *