النخيل نيوز
في سياق متصلنيوز بار

إرث الغزو بعد عقدين.. تضييق على الحريات وتراجع الصحافة المستقلة في العراق

مع حلول الذكرى الـ22 لغزو العراق، يحذر مراقبون وصحافيون عراقيون من التراجع المتواصل في مستويات الصحافة الحرة وافتقار بلادهم لصوت الإعلام المستقل على مستوى الكتابة والتحليل، إضافة إلى تقييد الرأي وملاحقة المدونين والناشطين اللذين يتصاعدان منذ عام 2003، مع تحكم المال السياسي والأحزاب في مواقف المؤسسات الإعلامية المحلية إما بالضغط أو الترغيب والشراء، مع محاولات مستمرة من الكيانات السياسية لتمرير قوانين تناهض الحريات التي يأملها صحافيو بلاد الرافدين.

أكثر من عقدين على تغيير النظام، وهو المشروع الأميركي القائم أساساً على “الحريات والديمقراطية”، غير أن التضييق بوسائل كثيرة ومتعددة على الرأي والحريات في العراق بات في أوجه، وتحديداً بما يتعلق بآليات التعامل مع العاملين في قطاعات الصحافة وصناعة وقيادة الرأي العام. وحاولت الكتل السياسية الكبيرة المتنفذة في البلاد عبر مجلس النواب تمرير مشروع قانون “حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي”، المعد من لجنة حقوق الإنسان في المجلس نفسه، خلال السنوات الماضية، لكن اعتراضات كثيرة تلاحق هذا المشروع، ما يدفع نواباً ومنظمات إلى الدفع نحو التريث في إقراره أو تأجيله إلى الدورة البرلمانية اللاحقة، سعياً للتوصل إلى نسخة معدّلة وتليق بالطموح الديمقراطي. وتسبب هذا المشروع لإقرار القانون وغيره، مثل قانون الجرائم المعلوماتية، في احتجاجات قادها صحافيون وناشطون وأعضاء في منظمات المجتمع المدني، في مظهر شرح التنابذ بين الصحافيين العراقيين من جهة، والسلطة التي تقودها الأحزاب من جهة ثانية.

ويُرجع رئيس تحرير شبكة يلا عراق، وهي واحدة من المنصات واسعة الانتشار في العراق، إميل ناجي، أسباب تراجع الصحافة المستقلة خلال العقدين الماضيين إلى “الضغوط السياسية والبيئة الأمنية والتشريعات والقوانين التي تقيد العمل الصحافي، بالإضافة إلى الفساد والتأثيرات الإقليمية”. ويبين، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “الضغوط السياسية وتدخلات الأحزاب المتنفذة تؤدي إلى تقييد حرية التعبير بالشؤون السياسية، كما أن التعامل الانتقائي مع الفقرات القانونية عزز مخاوف كثيرة لدى الصحافيين، فضلاً عن العنف تجاه أهل المهنة وتخويفهم”. ويضيف ناجي أن “الصحافة المستقلة تتأثر بالتهديدات والمضايقات، وهي يتيمة حالياً في ظل هيمنة الإعلام الحزبي والحكومي”، ويشير إلى أن “القوانين الناظمة للعمل الصحافي وإبداء الآراء وحرية التعبير في البلاد محكومة بقوانين مُقرة عام 1969، وهي تصب في مصلحة النظام السياسي وليس الفضاء الإعلامي الحر، كما أن الأحزاب التي تدعي معارضتها لنظام حزب البعث وصدام حسين تستخدم هذه القوانين من أجل ليّ عنق الصحافة الحرة والمستقلة، في حين أن العمل بقوانين جديدة، مثل مكافحة المحتوى الهابط، ما هي إلا رسالة للصحافة المستقلة بأن الفضاء الإعلامي مسيطر عليه من السلطة”.

ويتفق عضو مجلس النواب العراقي محما خليل مع ما يذهب إليه إميل ناجي، ويقول إنه “بعد مرور أكثر من عقدين على التغيير في العراق، لا يزال بعض الأحزاب والمسؤولين في خشية من منح الصحافة مساحة من النقد والانتقاد للسلطة، بل أن بعض هذه الجهات تعتبر أن من ينتقدها أو يوجه إليها سهام النقد وتشخيص الأخطاء، مدفوع من الخارج بأجندات ممولة، وهي تهمة جاهزة يعاني منها الصحافيون، بل حتى بعض السياسيين المستقلين عندما يبدون آراءهم في ملفات تتعلق بقضايا حقوق الإنسان والحريات”. ويشدد خليل، في حديثه لـ”العربي الجديد”، على أن “حرية التعبير حق دستوري وقانوني وإنساني، ومن حق أي عراقي أن يعبر عن رأي بما لا يخرج عن القوانين والأعراف الدينية أو خصوصيات الآخرين”. ويوضح أن “بعض العاملين في الوسط الصحافي يعانون مشكلات عرضتهم لملاحقات قانونية وأحكام قضائية، ومنها مشكلة الإساءة، إذ إن النقص في الثقافة القانونية لدى بعض الصحافيين أوقعهم في مخالفات، بالتالي لا بد أن يترافق فسح حرية التعبير في العراق مع ثقافة قانونية للعاملين في قطاعات الصحافة والإعلام”، مشيراً إلى أن “هذا لا يعني أن استهدافاً حزبياً ومسلحاً يلاحق الصحافيين في عموم البلاد، وللأسف فإن العشرات قتلوا خلال السنوات الماضية بسبب نشر موضوعات صحافية وتقارير أو إبداء رأي معين”.

من جانبه، يبين أستاذ الإعلام في جامعة بغداد، علاء مصطفى، أن “مصادر التمويل سبب تراجع الإعلام المستقل في العراق؛ طيلة العقدين الماضيين كانت اقتصاديات وسائل الإعلام تابعة لجهات سياسية، كما أن بعض المؤسسات المملوكة لمصارف أو شركات أو تجار، بالحقيقة هي تخدم واقعاً سياسياً محدداً، وهذا أدى إلى إفساد البيئة الإعلامية”. ويرى مصطفى، في اتصالٍ بـ”العربي الجديد”، أن “الأجواء حجبت الأصوات الحرة والوطنية والحيادية، ودفعت بترويج ودعم أصحاب الخطابات الفئوية والطائفية، ووصلنا إلى مرحلة متدنية للأسف، حتى صارت بعض المحطات الفضائية تقاطع الصحافيين الحياديين والمستقلين، لأنها لا تريد أن تغضب السلطة والجهات الممولة”.

أما القانوني أمير الدعمي فيوضح أن “الحريات العامة وضمان حق طرح الرأي الآخر، أو ما يعرف وفق السياق القانوني بالانتقاد وتشخيص الخلل، تتعرض للانتهاك، وبصراحة لم يسبق انتهاكها كما في السنوات الأخيرة حيث جرت عملية منهجية لمحاربة الأصوات الحرة، لكن القضاء العراقي كان يدافع عن أصحاب الرأي والأقلام الحرة”. ويؤكد الدعمي، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن “في العراق أقلاماً لا تستأجر أو تنحاز للحاكم، لكنها تتعرض للتضييق والمضايقة عبر الدعاوى القضائية والاستخدام التعسفي للسلطة”.

إلا أن صحافيي العراق ليسوا وحدهم، حيث شهدت السنوات الماضية دخول بعض أعضاء في مجلس النواب العراقي على خط الدفاع عن المتضررين من تعسف المسؤولين ضد الصحافيين والناشطين، وحتى الموظفين في دوائر الدولة ممن لديهم مواقف سياسية معينة، ما يؤدي عادة إلى زيادة زخم الرفض للتجاوز على مفهوم حرية التعبير، كما أنه يساهم في حماية المعارضين وتأجيل التصويت على بعض القوانين التي يشعر أصحاب الرأي أنها تكبلهم وتمارس تضييقاً عليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *