النخيل نيوز
في سياق متصلنيوز بار

“هيومن رايتس ووتش”: الإعلان الدستوري السوري ترسيخ لنظام ديكتاتوري

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الإعلان الدستوري السوري الذي تمت الموافقة عليه مؤخرا، والذي يُفترَض أن يحكم البلاد في المرحلة الانتقالية، يركّز السلطة في يد السلطة التنفيذية وقد يقوّض استقلالية القضاء.

الإعلان، الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع في 13 مارس/آذار 2025، يمنح الرئيس صلاحيات كبيرة تشمل التعيينات القضائية والتشريعية بدون أي ضوابط أو رقابة. صلاحيات الرئيس الواسعة تثير مخاوف كبيرة بشأن استمرارية حكم القانون وحمايات حقوق الإنسان ما لم تُتخذ تدابير وقائية واضحة. الإعلان يبرر هذه الصلاحيات الاستثنائية بأنها ضرورية في المرحلة الانتقالية في سوريا.

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “في غياب حمايات أقوى ورقابة مستقلة، ثمة يوجد خطر أن يؤدي هذا الإعلان إلى تعزيز سيطرة السلطة التنفيذية على حساب الحريات الأساسية، في وقت حساس لمستقبل سوريا. نظرا إلى انفلات سلطة الحكومة السابقة من أي ضوابط، فإن إنشاء نظام يحاسب الجميع على انتهاكاتهم وجرائمهم في غاية الأهمية لسوريا”.

أُعلِن الشرع رئيسا أواخر يناير/كانون الثاني 2025، في أعقاب مؤتمر للمجموعات المسلحة. سيقود سوريا في مرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات، تنتهي بعد إقرار دستور دائم للبلاد وتنظيم انتخابات وفقا له، كما جاء في المادة 52 من الإعلان الدستوري.

في حين أن الأطر الانتقالية قد تبرر تدابير استثنائية مؤقتة، إلا أنها يجب ألا تكون على حساب الحقوق الأساسية. الإعلان الدستوري السوري في شكله الحالي يحمل في طياته خطر ترسيخ نظام ديكتاتوري بدل تسهيل الانتقال الفعلي إلى نظام ديمقراطي يحترم الحقوق.

مع أن الإعلان يشدد على استقلالية القضاء، إلا أنه يفتقر إلى الحمايات لضمانها عمليا. أحد المخاوف الأساسية يتركز على المادة 47، التي تمنح الرئيس سلطة تسمية جميع أعضاء “المحكمة الدستورية العليا” السبعة، بدون أي إشراف من قبل البرلمان أو غيره. في غياب آليات تضمن استقلال القضاء، أو بدون إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على التعيينات والترقيات والتأديب والعزل في السلك القضائي، ستكون قدرات القضاء محدودة في محاسبة الرئيس.

يُرجَّح أيضا أن تعزز هذه المادة نفوذ الرئيس في التفسيرات الدستورية وتستبعد مساهمة البرلمان، ما يعرّض القضاء للتدخلات الخارجية.

يمنح الإعلان الرئيس سيطرة شبه كاملة على التعيينات التشريعية. فبموجب المادة 24، يعيِّن رئيس الجمهورية شخصيا ثلث أعضاء البرلمان الانتقالي، في حين تقوم لجنة، يعيّن الرئيس أعضاءها، باختيار الثلثين.

مع أن الإعلان يتضمن مواد تبدو أنها تدعم العدالة وحقوق الإنسان، إلا أن فعاليتها غير أكيدة بدون إشراف مستقل. يدعو الإعلان إلى إلغاء قوانين استثنائية من حقبة حكم الأسد، ونقض أحكام بقضايا إرهاب، واستعادة أملاك مصادَرة، وإنشاء هيئة انتقالية للعدالة لمنع الإفلات من العقاب في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لكن من غير الواضح إن كانت هذه التدابير ستثبت فعاليتها من دون إشراف مستقل. قالت هيومن رايتس ووتش إن غياب الحمايات للقضاء والضوابط على السلطة التنفيذية قد يؤدي إلى تقليص احتمال المحاسبة الفعلية وحماية حقوق الإنسان.

يتضمن الإطار أيضا ضمانات للحقوق، مثل قرينة البراءة، ومنع التعذيب والإخفاء القسري، والحق في الإجراءات الواجبة، والتعهد بالالتزام بمعاهدات حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها سوريا. إلا أن بعض المخاوف تحوم حول القيود على حرية التعبير. المادة 49(3) تجرّم “تمجيد نظام الأسد البائد ورموزه” و”إنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها”، ويمكن استغلالها لتقييد حرية التعبير نظرا لصياغتها الفضفاضة والمبهمة.

بصفته الرئيس، يتمتع الشرع أيضا بالسلطة التنفيذية إلى جانب مجلس وزراء، هو وحده لديه سلطة تعيينهم وإعفائهم من مناصبهم، بحسب المادتين 31 و35 من الإعلان. ويؤسس الإعلان لنموذج رئاسي غير مرن،  بدون قدرة البرلمان على عزل الرئيس، أو الموافقة على الوزراء أو إقالتهم، أو وضع ضوابط للسلطة التنفيذية. صرّح عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري عبد الحميد العواك أن وزراء الحكومة يرفعون تقاريرهم إلى الرئيس فقط، ما يعزز سيطرة السلطة التنفيذية أكثر.

قالت هيومن رايتس ووتش إن على السلطات السورية مراجعة الإعلان الدستوري ليشمل حمايات قوية لاستقلالية القضاء والإشراف التشريعي. من شأن ذلك أن يساعد في ضمان احترام حقوق الإنسان، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة في المرحلة الانتقالية في سوريا، ويمهّد لمستقبل يحمل المزيد من المحاسبة.

قال كوغل: “المرحلة الانتقالية في سوريا يجب أن تكون معبرا نحو نظام ديمقراطي يحترم الحقوق وليس  حجة لترسيخ نظام سلطوي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *