بقلم/ محمد الحيدري
تعد المهنية في العمل الصحفي عنصراً أساسياً لنجاح الصحافة في أداء دورها الاجتماعي والرقابي. إذ يُعد الصحفي مرآة المجتمع، ويقع على عاتقه نقل المعلومات بموضوعية، ودقة، وشفافية، مما يعزز ثقة الجمهور بالمؤسسات الإعلامية، ويجعل من الصحافة أداة فعّالة للتغيير الإيجابي والتوعية المجتمعية. لذلك، بات من الضروري التركيز على تعزيز مفهوم المهنية في العمل الصحفي في مواجهة التحديات المعاصرة.
والمهنية الصحفية تشير إلى مجموعة من المعايير والأخلاقيات التي يجب على الصحفي الالتزام بها أثناء أداء واجبه، وتشمل النزاهة، والموضوعية، واحترام الخصوصية، والالتزام بميثاق الشرف الصحفي، وتجنّب التحيز. كما تتطلب المهنية التزام الصحفيين بمعايير العمل الصحفي، وامتلاكهم القدرة على التعامل مع الأخبار بصدق وحياد، مما يعكس ممارسات تعزز الثقة بينهم وبين الجمهور.
ويساهم التزام الصحفيين بالمهنية في بناء علاقة ثقة مع الجمهور، حيث يشعر الجمهور بأن الصحفي يقدم الحقيقة دون تحريف أو تحيز. وهذه الثقة تشكل ركيزة أساسية لدور الصحافة في المجتمعات الديمقراطية، حيث تعتمد المعلومة الصحيحة على قرارات الجمهور في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إلى ذلك فان تعزيز المصداقية والاستقلالية المهنية تمنح المؤسسات الصحفية مصداقية، وتجعلها مصدراً موثوقاً للمعلومات. فالمهنية تفرض على الصحفيين تحري الدقة والتوازن في نقل الأخبار وعدم السماح بالتأثيرات الخارجية كالإعلانات أو المصالح الشخصية بالتأثير على محتوى الأخبار. وبالتالي، تُعد المهنية ضمانة لاستقلالية الصحافة، التي هي جوهر دورها الرقابي.
ومع الانتشار الواسع للأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز المهنية كأداة لمواجهة هذه الظاهرة. فالصحافة المهنية تلتزم بعمليات التحقق من المصادر والمعلومات قبل نشرها، مما يقلل من احتمالية انتشار معلومات مغلوطة. وبهذا، تصبح الصحافة المهنية ركيزة أساسية للحد من الشائعات وحماية المجتمع من التضليل.
ان مهنية الصحافة تعتمد على مبادئ المسؤولية الاجتماعية، حيث يجب على الصحفيين أن يكونوا واعين لتأثير عملهم على المجتمع. وينبغي أن يعمل الصحفي بما يحقق المصلحة العامة، وأن يتجنب نشر أخبار قد تضر بمصلحة الأفراد أو المجتمع. كما تتجسد هذه المسؤولية في مواضيع حساسة مثل تغطية الجرائم أو الأحداث الكارثية، حيث يجب على الصحفي التعامل بإنسانية واحترام لمشاعر الجمهور.
ويشير بعض الخبراء إلى أن المهنية الصحفية باتت أكثر أهمية في ظل التحولات الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وبهذا الخصوص يرى الدكتور “جون أندرسون”، أستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا، أن “المهنية أصبحت حاجة ملحّة بسبب التدفق الهائل للمعلومات غير الموثوقة. فالأشخاص باتوا يميلون إلى الإعلام التقليدي الذي يلتزم بالمعايير المهنية للبحث عن الأخبار الموثوقة.” كما تؤكد الصحفية “ماريا رودريغيز” أن “المهنية الصحفية هي حجر الزاوية للصحافة المسؤولة، إذ أن الحفاظ على قيم الموضوعية والنزاهة في العمل الصحفي هو ما يميز الصحفي المحترف عن الهواة.”
ختاما وفي ضوء التحديات المتعددة التي تواجهها الصحافة اليوم، تتجلى أهمية المهنية كضرورة قصوى لضمان استمرارية الصحافة في أداء دورها الأساسي كسلطة رابعة تعزز الشفافية والمساءلة. ومن هنا، يجب أن تستمر المؤسسات الصحفية في تدريب كوادرها على المعايير المهنية وأخلاقيات المهنة، لتتمكن من مواجهة التحديات المتزايدة والحفاظ على ثقة الجمهور.