بقلم/ جاسم الحلفي
تفننت إسرائيل في مسعاها لتحطيم الروح المعنوية لمناهضي عدوانها الاستيطاني، مستخدمة أدواتها الاستخباراتية والسياسية لتضخيم تفوقها، ومحاولةً فرض واقع ظالم يبدو في أعين البعض حتمياً لا مفر منه، ودافعة العالم الى قبوله والإذعان له دون مقاومة.
المؤسف أن معظم الأنظمة العربية استسلمت لهذا الوضع المخزي. ولم يقتصر الخضوع على الحكومات المتواطئة وحدها، بل امتد إلى بعض النخب الثقافية العربية، التي أخطأت عندما اعتقدت أن مقاومة المشروع الإسرائيلي، حتى بالكلمة، هي ضرب من الاوهام
بدلاً من أن تكون هذه النخب حارسة للقيم الإنسانية والحقوق العادلة، نجدها تبرر جرائم إسرائيل بذريعة تفوقها التكنولوجي وتقدمها العلمي، وكأن الفساد والفشل الذي “تجترحه” أنظمتنا العربية، يمنح إسرائيل الحق في سحق الشعوب وسلب حقوقها المشروعة.
إن ما ينساه هؤلاء المثقفون وفرائصهم ترتعد هو أن حقوق الشعوب ليست سلعة تُباع وتُشترى، وأن كرامة الإنسان اكبر من ان تُداس تحت الاقدام. وإسرائيل لم تكن يوماً دولة تسعى إلى السلام، وانما هي كيان توسعي لا يتوقف عن السعي لقهر الشعوب وابتلاع الاراضي، مستخدمةً ابشع أساليب العنف والبطش والهمجية. والتاريخ يشهد على نزعتها العدوانية المستمرة، التي لا تحترم حقوق الإنسان ولا القانون الدولي كله.
وتبقى الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل في مستوى شراسة حربها العسكرية، وكان الواجب يفرض دائما على المثقف العربي، التصدي لهذه الحرب بأدوات الوعي والثقافة.
لكن وللأسف نرى العديد من المثقفين يتحولون إلى أدوات بيد الأنظمة المتخاذلة، التي تلهث وراء ارضاء إسرائيل إما خوفاً أو طمعاً. وبهذا يعبر هؤلاء المتهافتون عن عقمهم الفكري وبؤس وعيهم، وتخليهم عن القيم والمبادئ التي يفترض أن يدافعوا عنها.
ميل موازين القوى لصالح إسرائيل لا يعني أن الشعوب يجب أن تقبل بالواقع المرير. الشعوب التي تقاوم الظلم والطغيان لا تُخذل أبداً، فهي تستمد قوتها من إيمانها العميق بعدالة قضيتها. والشعبان الفلسطيني واللبناني لن يقبلا العيش تحت وطأة احتلال ينتهك حقوقهما ويسلب كرامتهما.
التاريخ مليء بأمثلة مشرقة عن مقاومين رفضوا الاستسلام للاستعمار والاحتلال. فكيف يمكننا أن نقول للأسرى الذين صمدوا في السجون، وللشعوب التي دفعت أثماناً باهظة من أجل كرامتها وحريتها، إن استسلامهم كان الخيار الأفضل؟ العدالة هي الركيزة الأساسية لأي سلام دائم، ولا يمكن أن يُختزل السلام في استسلام الشعوب لظلم محتوم.