بقلم/ باسل رفايعة
توماس جولي، مخرج محاكاة لوحة “العشاء الأخير” في افتتاح أولمبياد باريس، استوحى سابقاً أعمالاً مسرحيةً من مجتمعات التحول والإباحية المطلقة، وهو يعيشُ مع شريكه واسمه توماس أيضاً، وتحدث لمجلة “فوغ” قبل الحدث بأيام عن علاقتهما (…) باعتبارها خلفية لما يمكن توقعه من الاستعراض الضخم على نهر السين، ولكنه كذبَ بأقصر حبلٍ ممكن، عن “التنوع والحبّ والاندماج” لأنها “قيم جمهوريتنا” نافياً أية صلة لعرض الافتتاح بالمعتقدات الدينية، خصوصاً المسيحية ..!.
الكذب يتقدّم أكثر فأكثر في أوروبا وأمريكا، يكاد يسبق التكنولوجيا نفسها. بعضه مقرفٌ ورثّ، مثلما تقيأَ بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، وصفّقَ لهرائهِ. وبعضه هزيلٌ ووقح، كأن تتبجّح فرنسا بقيم الحرية والتنوع وحقوق الإنسان في مناسبةِ أولمبياد باريس، وتحتفي بالإباحية المطلقة والتحول الجنسي، لتمس مباشرة معتقدات دينية للغالبية المطلقة من سكّان الكرة الأرضية، ثم تعتذر بصلفٍ شديدٍ، هي عينها صلافة الرجل الأبيض المنفوخ بالأوهام، وهو يتحدث دون خجل عن “التسامح المجتمعي” ويفشر..!.
طبعاً، العالم لم يختبر قيم الثورة الفرنسية في الرياضة. اختبرها في محاربة الحجاب، والتمييز ضد المسلمات، وفي قمع المظاهرات، وكراهية المهاجرين وازدراء الأفارقة والمسلمين. أكثر من 400 رياضي فلسطيني في غزة ضمن نحو 40 ألفاً من ضحايا الإبادة الجماعية المستمرة. لم يتذكرهم أحد. الأضواء تبتعد عن الجريمة النازية، وتسلط على “دراغ كوين”..!.
العالمُ كلهُ وقحٌ. لكن “هذه هي فرنسا” كما افتخرَ الرئيس إيمانويل ماكرون. يمكنها الآن أنْ تجذبَ اهتمام العالم كله بعرض مسرحي من هذا النوع. ويمكنها أنْ تواصل الكذب في “الحرية والاندماج”، فثمة مهاجرون يصغون في مدن فرنسا وعاصمتها وأحيائها وعشوائياتها إلى هذه الدعاية الخائبة، وقد كبر أولادهم، بأقلّ طعام وتعليم وأمل، ولم يكن أيّ منهم زين الدين زيدان، ولا مبابي، لتعترف به فرنسا شارل ديغول، ويصدّقَ خرافة الاندماج..!.
المستعمرُ القديم لم يتغير. نحن فقط تحت انبهار صور زائفة. فرنسا تواصل السقوط في أفريقيا، بعدما نهبت ثرواتها الطبيعية والبشرية، ومصائر شعوبها ومعاشهم، وعليها أنْ تجد بدائل لامتيازات شركاتها في مالي، وبوركينافاسو، والغابون، والنيجر الذي تسيطر على ثروته الضخمة من اليورانيوم، الشريان الحيوي للكهرباء الفرنسية.
يتناول تقرير لمنظمة العفو الدولية أحوال حقوق الإنسان في فرنسا خلال العام الماضي، بما نصّه: “استمرت العنصرية والتمييز الديني الممنهجان، بما في ذلك ضد النساء والفتيات المسلمات. واستمر التنميط العرقي مع الإفلات من العقاب. وتواصلت القيود المفرطة المفروضة على الاحتجاجات، والاستخدام المفرط للقوة من جانب الشرطة. وجرت احتجاجات جماعية واضطرابات في أعقاب مقتل فتى من أصل جزائري عمره 17 عامًا على يد الشرطة عند نقطة تفتيش مرورية. وتواترت أنباء عن وقوع أعمال تخريب وهجمات عنيفة عنصرية وقائمة على كراهية الأجانب”.