زينب ربيع
رئيس مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية
اذا أردنا أن نؤرخ للترند، فهو قديم بقدم الخليقة، لكنه مر بمراحل متعددة وأدوار تطويرية عديدة، فكان الترند سابقاً هو قضية أو حدث مثير للجدل يلفت انتباه الجمهور. اذ كانت الفضائح والعيوب هي المحرك له، وكانت تتابع هذه القضايا بنوع من الفضول والانتقاد، و مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها، بدأ مفهوم الترند يتغير.
ظهور منصات مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، وسناب شات والتيك توك والى آخر القائمة أصبح معها الوصول إلى الشهرة سهلاً ومتاحًا للجميع، لم يعد الترند مرتبطًا فقط بالفضائح، بل أصبح يتعلق بأي شيء يمكن أن يجذب انتباه الناس. سواء كان ذلك مقطع فيديو مضحك، صورة جذابة، أو حتى رأي مثير للجدل، الجميع يسعى ليكون تحت الأضواء لدرجة صار عدد المؤثرين يفوق عدد المتأثرين الكل يريدون أن يصبحون نجوماً ليحولوا من يومياتهم عملاً درامياً مبتكراً ضاربين الخصوصية بعرض الحائط.
صار الجميعُ مهووسًا بلغة الأرقام والمشاهدات، وأصبح عدد الإعجابات والتعليقات والمشاركات هو المقياس الجديد للقيمة الاجتماعية. الشخص الذي يحقق أرقامًا كبيرة يُعتبر ناجحًا ومؤثرًا، بغض النظر عن محتوى ما يقدمه. هذا الهوس بالأرقام أدى إلى تراجع قيمة المحتوى الحقيقي والجودة، وأصبح الهدف الرئيسي هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس بأي وسيلة كانت.
هذا الهوس بالتأثير لم يأتِ بلا ثمن، فالكثير يعاني من ضغوط نفسية كبيرة نتيجة السعي المستمر للكمال وللظهور والشهرة، فقدان الخصوصية، التعرض للنقد اللاذع والتنمر، والانشغال المستمر بالتحديثات والتفاعل مع الجمهور لاثبات الوجود، ناهيك عن أنها قادت الكثير من المهووسين بالشهرة وما يرافقها من امتيازات مادية ومعنوية الى الزنزانات والاغتيالات فغالباً الحياة الواقعية تختلف عن القصص الدرامية، إذ تنتهي بنهايات مأساوية.
لابد أن يسأل كل منا نفسه بعد أن وجد نفسه بالصدفة غارقاً بالطوفان الرقمي هل نحن نعيش لتحقيق الأرقام والمشاهدات وللفت الانتباه، أم أننا نسعى لبناء حياة ذات معنى وقيمة وأهداف عظيمة ؟ وهل اصبحت المواقع وسيلة ناجعة للهروب من الواقع ؟!