لإخفاء الحقيقة ام جرم متناثر.. كيف استهدفت “إسرائيل” الصحفيين في غزة؟
بشكل شبه يومي، تتكرر مشاهد استهداف الصحفيين العاملين في قطاع غزة بنيران وقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ العملية العسكرية التي يشنها الاحتلال ضد القطاع عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين أول / أكتوبر الجاري.
ويعكس الاستهداف المتكرر للصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة حقيقتين، الأولى استخدام الاحتلال سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي ضد سكان القطاع دون تمييز بين شخص وآخر، والثانية التعمد في استهداف الصحفيين في محاولة لإسكات الأصوات المناهضة للعدوان أو على الأقل التي تنقل الحقائق كما هي على الأرض.
العدوان الإسرائيلي الذي وصف بأنه الأعنف على الإطلاق، دخل أسبوعه الرابع، فيما عدد شهداء المجازر المتواصلة في غزة إلى 7028 شهيدا، بينهم 2913 طفلا و1709 سيدات وفتيات، ونحو 18 ألفا و500 مصاب، بالإضافة إلى 1650 مفقودا، وهي حصيلة شملت الضحايا لغاية السابع والعشرين من تشرين أول / أكتوبر وفقا لبيانات وزارة الصحة في غزة، التي نشرت قائمة بأسماء جميع الشهداء ردا على تشكيك واشنطن في أعداد ضحايا العدوان الإسرائيلي.
وتعليقا على تلك المجازر، أكدت منظمات الأمم المتحدة أن قطاع غزة يتعرض لعقاب جماعي وكارثة إنسانية، واصفة ما يجري في غزة بأنه جريمة حرب.
ويبدو أن الصحفيين في قطاع غزة تحولوا إلى أهداف للعدوان الإسرائيلي كما باقي الأهداف المدنية، حيث لم يترك القصف الإسرائيلي بقعة آمنة ولا شبرا آمنا في غزة.
آخر ضحايا الاستهداف الإسرائيلي الذي طال العاملين في مهنة المتاعب تمثل بمقتل الصحفية دعاء شرف مع طفلها جراء سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة.
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) فأن “مقاتلات إسرائيلية أطلقت صواريخ عدة استهدفت منزل الصحفية في منطقة الزوايدة وسط القطاع، مما أسفر عن استشهادها مع طفلها”.
وباستشهاد الصحفية دعاء شرف، يرتفع عدد الشهداء من الصحفيين في قطاع غزة، منذ بداية العدوان الإسرائيلي إلى 24 صحفيا.
والأربعاء الماضي، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة الصحفي وائل الدحدوح في مخيم النصيرات وسط غزة مخلفا مقتل زوجته وابنته وابنه وحفيده، على الرغم من أن المنطقة المستهدفة كان قد طلب جيش الاحتلال من الأهالي النزوح إليها بوصفها منطقة آمنة.
واعتبر مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح استهداف منزل عائلته بأنه انتقام إسرائيلي منه في أولاده، لأنهم كانوا في المنطقة التي طلب جيش الاحتلال من السكان النزوح إليها.
ويرى مراقبون في استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين وأسرهم بأنه محاولة لإخفاء جرائمه المختلفة التي يوثقها وينقلها للعالم الصحفيون الفلسطينيون العاملون في قطاع غزة، بعد أن توقفت كاميرات وميكروفونات شاشات أميركية وأوروبية عريقة، عند تاريخ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يعد يشغل مذيعيها ومراسليها سوى السؤال المتكرر عن إدانة حركة المقاومة “حماس” متجاهلة ما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم قتل جماعي للمدنيين، وتدمير للمستشفيات والكنائس والمساجد والمنازل والمخابز والمدارس فوق رؤوس سكانها.
لم يقتصر استهداف الصحفيين على مناطق قطاع غزة فحسب، بل شملت العاملين في السلطة الرابعة جنوب لبنان الذين كانوا يغطون عمليات القصف المتبادل بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله.
في 13 تشرين أول الماضي، قتل الصحفي عصام عبد الله في وكالة رويترز أثناء قصف القوات الإسرائيلية لجنوب لبنان، فيما أصيب 4 آخرون بينهم مصور ومراسل لقناة الجزيرة ومصوران لوكالة الصحافة الفرنسية.
وأكد مصدر أمني لبناني أن “طائرة أباتشي إسرائيلية هي التي استهدفت الصحفيين بصاروخ في منطقة علما الشعب في الجنوب”.
وحمّلت السلطات اللبنانية “الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الاستهداف المتعمد للصحفيين، كما أدانت نقابة الصحفيين اللبنانيين الاعتداء الإسرائيلي على الصحفيين في جنوب لبنان، مؤكدة أنه جريمة ترقى إلى مصاف جرائم الحرب”.
وبالتزامن مع سلسلة الجرائم الإسرائيلية ضد الأسرة الصحفية، أدان تقرير أصدرته لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة الاحتلال الإسرائيلي بقتل الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة العام الماضي.
وأقرت الهيئة التابعة للأمم المتحدة بأن “القوات الإسرائيلية استخدمت “القوة المميتة دون مبرر” في استهدافها للراحلة شيرين أبو عاقلة، وسلطت الضوء على الحاجة الملحة لمحاسبة قتلة شيرين والمتورطين في استهدافها”.
استهداف الصحفيين خلال العمليات العسكرية كشفت من جهة أخرى على تجاهل السلطات الإسرائيلية للقوانين والمواثيق الدولية التي تنص على حماية المدنيين والصحفيين في مناطق القتال، كما كشف عن زيف شعارات الغرب بشأن حقوق الإنسان واحترام المواثيق الدولية بسبب ميولها المفضوح إلى جانب الجرائم الإسرائيلية.
وفيما يلي أبرز النصوص القانونية الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في زمن السلم والحرب والنزاعات العسكرية:
زمن الحرب
1 – المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية نصت على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين.
2 – دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي 2005 تضمنت في المادة 34 من الفصل العاشر “يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية بمناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهود مباشرة في الأعمال العدائية”.
3 – القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي والذي ينص على ما يلي:
إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة.
مساواة سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين هناك.
اعتبار الصحفيين والمراسلين المستقلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة.
اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعيانا مدنية لا يجوز أن تكون هدفا لأي هجمات أو أعمال انتقامية.
زمن السلم
1 – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونص في المادة 19 على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار، وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود والجغرافية”.
2 – العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 وتضمن في المادة (19) على أن لكل إنسان الحق في اعتناق ما يشاء دون مضايقة، ولكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار، وتلقيها ونقلها إلى الآخرين في أي قالب وبأي وسيلة يختارها، ودون اعتبار للحدود.
3- إعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة العنصرية والتحريض على الحرب للعام 1978، حيث نصت المادة الثانية على أن ممارسة حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام المتعارف عليها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدوليين.
4 – إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي وحرية الوصول للمعلومات، حيث أيد الحق في الوصول للمعلومات، باعتباره من الحقوق الضرورية لضمان التمتع بالحق في حرية الرأي والتعبير.
5 – التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي والتعبير 1993 وتضمن “حرية التعبير تتضمن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة، وتلقى التزامات إيجابية على الدول لضمان الوصول إلى المعلومات”.
6 – الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004 والذي يضمن الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير، وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، ودونما اعتبار للحدود الجغرافية (جميع الدول العربية لا تجيز الدخول حتى للمطبوعات العربية دون رقابة مسبقة).
7 – الدساتير العربية والتي تنص أغلبها على حرية الرأي وحرية الصحافة، وورد هذا النص في دساتير الأردن في المادة 15، ومصر المادة 47-48، ولبنان 13، والكويت 36-37، والبحرين 23، واليمن 26، والجزائر 39، والإمارات 30، والسودان 48، وتونس 8، وقطر 13، وسوريا 38، والسعودية 39، وفي الدستور العراقي المادة 36.، غير أن هذه القوانين -غالبا- ألحقت هذه المواد بعبارات مقيدة مثل: في حدود القانون، وبما يتفق مع القانون، أو بالشروط التي يحددها القانون.
ويتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية. وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتؤكد شهادات الصحفيين في قطاع غزة استهدافهم بشكل متعمد من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
يقول الصحفي هشام زقوط إن “القصف على قطاع غزة يستهدف كل الأعيان المدنية دون استثناء أو تمييز، وطال حتى المستشفيات والأسواق والمخابز”، مبينا “تعمد استهداف الصحفيين من قبل الاحتلال يظهر بوضوح من خلال استهداف مواقع عدة لتجمعات الصحفيين في القطاع”.
وأشار زقوط إلى أن “القصف يستهدف كل المجمعات السكنية في القطاع ومن ضمنها مساكن الصحفيين وعائلاتهم، وكان آخر تلك الاستهدافات ما حصل مع الصحفي جمال الفقعاوي الذي استشهد بقصف على منزلهم في خان يونس، فضلا عن الصحفيين وائل الدحدوح وخالد الأشقر اللذين فقدا عددا من عائلتيهما جراء القصف الإسرائيلي”.
ولفت إلى أن “الصحفيين باتوا عاجزين حتى عن تقديم التعازي لبعضهم جراء استهدافهم واستشهاد أفراد أسرهم، لأن الغارات ما تزال مستمرة وتستهدف الجميع دون استثناء”.
كما تؤكد الصحفية شروق شاهين: “الاستهداف المباشر والمتقصد من قوات الاحتلال للطواقم الصحفية شأنه شأن استهداف الفرق الطبية والمسعفين وفرق الإنقاذ والدفاع المدني والتي باتت جميعها تحت نيران قواتها”.
وأوضحت شاهين أن “استهداف الصحفيين وعائلاتهم في قطاع غزة يعكس رغبة الاحتلال الإسرائيلي في الانتقام من الصحفيين الذين باتوا عين الحقيقة وينقلون المجازر التي ترتكبها قواتها في غزة”.
وبينت أن “مساعي الاحتلال الانتقام من الصحفيين كما هو هدفها في استهداف جميع العائلات والمدنيين في القطاع”، مشيرة إلى أن “الصحفيين يواجهون اليوم صعوبات كبيرة في تغطية الأحداث بسبب القصف المستمر والذي تسبب باستشهاد صحفيين أثناء تلك التغطيات، فضلا عن استهداف المواقع التي يتجمع بها الصحفيون أو المقرات التي يتمركزون بها لإنجاز أعمالهم الصحفية”.