النخيل نيوز
آراءنيوز بار

«الحرية» في ساحة الاحتفالات

حمزة مصطفى

لو تم طرح سؤال على شخصين أو ألف شخص من أعمار ومهن وثقافات متباينة حول مفردة «الحرية» وحدودها مفهوما أو مصطلحا أو دلالة لاختلفوا جميعا.. الشخصان والألف شخص. لماذا؟

لأن مفهوم الحرية غير محدد, أو مقنن بضوابط ومعايير ثابتة قاطعة, بل هو متغير بتغير الظروف والأزمان والعادات والتقاليد.

فما يبدو مشاعا لدى جهة يمكن أن يكون قيدا لدى جهة أخرى.

وما بين الطرفين «جماعة اللاحدود وجماعة القيود» ما صنع الحداد على مدى التاريخ من أقدم العصور إلى اليوم وربما إلى ما يشاء الله.

فالحرية مفردة ومفهوم وسياق دوخت الفلاسفة والمفكرين والمتدينين واللادينين.

 في القرآن الكريم لم ترد مفردة الحرية في أي من آيات الذكر الحكيم، لكن ورد ما بدا أنه محايث لها على صعيد الإيمان، وهي مفردة «الإكراه» المناقض للحرية طبقا لمعاييرنا المعاصرة.

في سورة البقرة يقول الخالق سبحانه وتعالى «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي».

وطبقا لجمهرة من المفسرين فإن عدم الإكراه في الدين يعني أن الله سبحانه وتعالى منح العبد حرية الاختيار بين «الرشد والغي».

أي أن الإنسان هنا أصبح مسؤولا عن حسن تعامله مع هذا المفهوم الواسع أو سوء تعامله من منطلق المسؤولية، التي هي أحد حدود الحرية في الدساتير والكتابات والمفاهيم الوضعية.

قد نجد أنفسنا الآن أمام سؤال إشكالي آخر وهو. هل الحرية نقيض العبودية؟ لماذا لم نجد مفهوما محددا للحرية في القرآن باستثناء ما بدا ما يناقضها وهو الإكراه، بينما ورد الكثير من الآيات بشأن العبودية، التي إختلف الفقهاء في فهمها بين أن تكون عبادية لله سبحانه وتعالى أم عبودية للبشر وأحد معانيها الرق؟. كذلك ما بدا أنه تجسيد لفهم إسلامي مبكر لحدود العلاقة بين حرية الفرد، وبين محاولات استعباده ما ورد على لسان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بشأن مفهوم الحرية ونقيضها الاستعباد، حيث قال «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم إحرارا» ما يدل بوضوح أن هناك رفضا إسلاميا مبكرا للعبودية بمعنى الاستعباد.

ما أريد قوله هنا وأنا أتابع الجدل الدائر بشأن ما سمي «مهرجان العراق الدولي» الذي أقيم في ساحة الاحتفالات الكبرى في ذكرى اليوم الوطني، وما رافقه من جدل الحرية وحدودها هو أن الخلاف بشأن الحرية سيبقى قائما طالما أنه معطى بشري، يظل خاضعا لمعايير نسبية من حيث الإباحة والتحريم. فعلى صعيد هذا المهرجان الخاص لتكريم نخبة من الفنانين والمبدعين، بقطع النظر عن حدود العلاقة بين ما هو رسمي وخاص، فإن مهرجانات التكريم ظاهرة طبيعية ومحمودة بلا شك, بل هي من سمات المجتمعات الحيَّة. الخلاف كان بشأن حدود الحرية المسموح بها في ما رافقها من عرض أجساد لـ «البلوغرات» و»الفاشينستات»، الأمر الذي انسحب على كل المهرجان لجهة حدية الموقف منه بالإيجاب أو السلب. هنا أصبحنا أمام أزمة مفاهيم ومصطلحات وحدود ومسموح وغير مسموح، إلى الحد الذي انقسم القوم إلى فسطاطين.. فسطاط المتمدنين وفسطاط المتشددين في الرفض، وكلاهما غير صحيح وليس هو أصل الموضوع وحتى طبيعة المهرجان. بمعنى أننا عدنا إلى جوهر الإشكالية التي تتصل بأصل مفردة الحرية وحدودها، هل هي متاحة أم مقيدة؟

هل هي بلا حدود أخلاقية أو قيمية أو دينية أم هي مسؤولية؟

كل هذه الأسئلة ضاعت في لجة النقاش بين المرفوض واللا مرفوض, بين المسموح والممنوع, بين العام الذي يقيّد الخاص أم العكس.

الخلاصة الطرفان خرجا منتصرين بينما الحرية وحدها.. هي التي هزمت في ساحة الاحتفالات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *