النخيل نيوز
آراءنيوز بار

الذكاء الاصطناعي يُعيد الساحرية إلى العالم


ادريس هاني
ثمة انتظارات سببها كسل الذّهن، ترى في الذكاء الاصطناعي مجيبا عن كلّ تساؤلاتها. يعود الأمر إلى خرائف مزمنة، كتلك التي تتعلق بـ”افتح يا سمسم” أو ” شبيك لبيك…”. ينظر الذهن الخرائفي إلى الـ(chat Gpt) نظرة بارا-سيكولوجية، تعود إلى عالم الأرواح غير المرئية، الجنّ الخدوم الذي يجيب على كلّ شيء، بكبسة زرّ أو حكّة فانوس.
وتبدو عملية الإسقاط الكبرى للذهنية الخرافية على العقل الاصطناعي مدخلا لأَسْطرة مُعالج رقمي، ليس له علم خارج معطيات، هي خليط مما يصحّ ومما لا يصحّ.
وخذ مثالا على ذلك، أنّ البعض سيعتمد الذكاء الاصطناعي في القضاء والإِخبار والتّأْريخ، بل في التحليل والشعر والرسم والشعوذة، ينتظر الذهن الكسول أن تنوب عنه التقنية في كلّ شيء، حتى في التفكير. وسيجد أهل النصب والاحتيال فرصة تاريخية في الذكاء الاصطناعي، لتحويله إلى شاهد زور .
لنتذكّر حالة النّصاب (x) الذي يعتمد الذكاء الاصطناعي في ترجمة نصوصه إلى لغة ما، ثم يقدّم النص المترجم الخام لخبير بتلك اللغة، ليراجعه، فيقدمه على أنّه كتاب كتب أصلا بتلك اللغة. صحيح أن الذكاء الاصطناعي قد يساعد على تزييف الواقع، لكن الذكاء البشري يستطيع مواجهة مثل هذه المواقف، باعتراضات ذكية، مثلا، أن يسأل: كيف لشخصية تعشق “البوز” والظهور، يقدم مداخلات في بلد تلك اللغات، ولم نعثر له على مداخلة واحدة بتلك اللغة؟ كيف يزهد نصّاب في إذاعة مثل هذا أو فعله إن أمكنه ذلك؟
الذكاء الاصطناعي لن يحول دون السرقات الأدبية والغش، لأنه هو نفسه يعتمد على بيانات موجودة، لكن يمكن استعماله لرصد سُراق النصوص والأفكار، وقد تكون هي أهم المهام التي قد يتوفق فيها، بعد أن كان من الصعوبة بمكان اكتشاف السرقات الأدبية والبلاجيا. ثمة برامج جديدة للحؤول دون استعمال الذكاء الاصطناعي في كتابة بحوث علمية.
لقد كان الذهن البشري مهيّئا عبر العصور للتعاطي مع أبعاد لا مرئية، عبر الأرقام والحروف والخطّ، فالقابلية لخلق امتداد افتراضي خارج البعد الواقعي والمادّي، تقليد في كل الثقافات القديمة. استفحال الموقف الغرائبي من الذكاء الاصطناعي من شأنه تغيير الفكرة الحداثية عن العالم، أو الموقف الفويبري القائم على نزع سحرية الموقف من العالم. فالنزعة السحرية أو الابتهاجية ستعود مع الفضاء السيبراني الذي نعيش معطياته بكثير من الانبهار والعُصاب والساحرية، بقدر ما نخطوا تقنيا إلى الأمام، تواجهنا تحدّيات فلسفية جديدة.
إن كان نزع الساحرية عن العالم هو جوهر الحداثة لدى فيبر والفيبيريين مثل مارسيل غوشيه، فإنّ العالم برسم الذكاء الاصطناعي سينجز ارتدادا لما قبل الحداثة، ليس بالمعنى التّاريخاني للتقدم والتّأخر، بل بمعنى أكثر تعقيدا، يتعلّق باللّحظة اللّوغو-مثيوسية، لحظة الاشتباك الأعظم والمُصالحة الكبرى بين العقل والخيال.
إنّ الساحرية أو انتزاعها، موقفان لا تحددهما التقنية، بل هي حالة لازمة للمراحل الانتقالية في التّاريخ الذهني والنفسي للبشر. يمكننا استشراف تلك اللحظة بناء على فرضية البندول(التي تحدّثنا عنها)، وإلاّ، فإنّ الحكم على الذّهن انطلاقا من توصيف راهنه في هذا المنقلب المعرفي، هو استعجال، لعدم اكتمال الحركة الاستيعابية لكل ترددات ما بين أقصى الميثوس وأقصى اللّوغوس، وذلك هو الانتظار الذي يعفينا من تشويش تمظهر أنظمة الخطاب، والشهيق الذي ينتاب البشرية عند حافّة كلّ صدمة حضارية.
التقسيم التقليدي للفن- تقسيم ديدرو- بين الفن الأصلي والفن العقلي، لا يجيب عن المنعطف السيبراني اليوم، حيث العقل واليد اقتربتا كما كانت دائما، لكنها اليوم تعزز اقتراب الأصلي من العقلي، أو اليد نفسها باعتبار أنّه لا تفكير يقوم من دونها، كما ذهب هيدغر في ماهية التقنية مُغاضبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *