النخيل نيوز
آراءنيوز بار

الأرشيف الوطني العراقي

جواد علي كسار

أعترف بأني قرأتُ ذكريات صلاح شاهد، الموسومة: «ذكرياتي في عهدين» مرتين، وعدتُ إلى بعض أجزائها أكثر، وهي لم تزل تغويني بقراءتها مجدّداً، لأسباب عديدة منها دقة المعلومات التي يرويها الشاهد عن خفايا العهد الملكي في مصر، وتفاصيل دقيقة جذّابة وموحية، عن كواليس عهد عبد الناصر والسادات، بعضها يرتبط بالعراق.

بيدَ أن ما يهمّنا الآن من هذا الكتاب للشاهد ليس كثافة معلوماته وقدراته الكاشفة عن تصرفات الكبار، وسبل اتخاذ القرار في أروقة نظمنا الحاكمة، بل التصرّف الصائب الذي اتخذته الجهات المعنية في مصر، بإدخال أوراق الشاهد ضمن الأرشيف الوطني للدولة المصرية، وهذا برأيي أعظم تكريم له.

ولو كان الأمر بيدي، لفعلتُ ذلك مع آثار كثيرة وأوراق غزيرة لكتّاب عراقيين كانت لهم مساهماتهم المتميّزة قبل السقوط. لو كان القرار لي لحوّلتُ أعداد مجلة: «دراسات عراقية» التي أصدرها المفكر والمؤرّخ العراقي عادل رؤوف في دمشق، بل مجمل كتبه وأوراقه إلى هذا الأرشيف. وما كان الأمر ليقتصر عليه وحده، بل أضيف إلى جواره أوراق وكتابات المفكر والمؤرّخ الراحل علي كريم سعيد، ولاسيّما دراسته المتميّزة: «أصول الضعف» بالإضافة إلى توثيقه لانقلاب 8 شباط، وكيف تحوّل العراق من حوار المفاهيم إلى حوار الدم، على حدّ عنوان كتابه.

ولو كنتُ مؤثراً في القرار لأدخلتُ في هذا الأرشيف، كتابات حسن العلوي عن تلك المرحلة، وأكرم الحكيم في أربعة من كتبه، وما قدّمه غالب حسن الشابندر، وحفريات سلام عبود الرائعة عن صدام وفكر البعث، ولما غاب عنّي كتاب أحمد الزيدي عن الجيش العراقي، وكتاب «جمهورية الخوف» لكنعان مكية، وتوثيقيات عبد الصاحب الحكيم، وجهود يوسف محمد علي في تحليل خطاب النظام وتفكيك منظومته الإعلامية والثقافية، وما كتبه سعد العبيدي عن تلك البرهة، بالإضافة إلى بقية الذوات من قبيل مختار الأسدي وطالب الحسن وصلاح عبد الرزاق وصلاح الخرسان، وحاكم الجنابي وهمام حمودي وجهاد العيدان وغيرهم كثير، من دون أن ننسى أصحاب المؤسّسات وأعمالهم المبادِرة الشجاعة، مثل فخري كريم في مرحلته الدمشقية، ومجموعة مجلة «الغد» وغيرهم كثير قد لا يقلّ عددهم عن المئة.

من المؤكد أن نتاج هذه الذوات وأوراقها، سيضعنا أمام رصيد مدهش، وقد يقدّم لنا أكبر العون في أن نكفّ عن عادةٍ سيئةٍ لنا؛ عادة الشروع من الصفر، لاسيّما إذا تذكرنا الحقيقة القاسية: لا يشرع من الصفر إلا الصفر، وأن ذاكرة الشعوب تُبنى بالتراكم والجمع، وليس بالقطيعة والإقصاء!  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *