النخيل نيوز
آراءعامعامنيوز بار

قصة الشبكة ومجلسها!

د. محمد فلحي
شبكة الاعلام العراقي يفترض ان تكون من ( الهيئات المستقلة) وفق الدستور العراقي،
وكما جاء في قانون الشبكة رقم٢٦ لسنة ٢٠١٥ المادة الثانية:
(تؤسس هيئة مستقلة بموجب المادة (108) من الدستور العراقي تسمى: (شبكة الاعلام العراقي) وتتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيس شبكة الاعلام العراقي او من يخوله. وتعمل طبقا لمبادئ الاستقلالية والشمولية والتنوع والتميز، وتعكس القيم الديموقراطية والاجتماعية والثقافية والاسلامية للمجتمع العراقي وترتبط بمجلس النواب.)
ارتباط الشبكة بمجلس النواب، المنصوص عليه في هذا القانون، كان وما زال موضع خلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فالشبكة ظلت طوال تاريخها خاضعة فعليا لسلطة الحكومة وتوجيهاتها، وهناك تدخل واضح من قبل الحكومة في اختيار مجلس الامناء ورئيس الشبكة، وهذا التداخل وعدم وجود الاستقلالية الحقيقية انعكس سلبيا على خطاب الشبكة وادائها ووظيفتهاونظرة الجمهور اليها وتقييمه لعملها!
جرى تعديل قانون الشبكة وفق القانون
رقم ٦٣ لسنة ٢٠١٧ وذلك بعد اعتراض المحكمة الاتحادية على عدد من مواد القانون الأول، وقد نص التعديل الجديد في مادته الثامنة:
(المادة (8) أولا: يتكون مجلس الأمناء من ستة أعضاء، جميعهم غير تنفيذيين، ثلثهم على الأقل من النساء، يتمتعون بالخبرة والدراية بالأمور الإعلامية أو الثقافية أو الإدارية أو المالية أو القانونية، ويراعى عند اختيارهم تنوع مكونات الشعب وثقافاته.
ثانياً: يعلن مجلس الأمناء عن المناصب الشاغرة في عضويته ويحق لكل العراقيين الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في هذا القانون أن يقدموا طلباً لشغل هذه المناصب ويرفع مجلس الأمناء قائمة بأسماء جميع المتقدمين المتوفرة فيهم تلك الشروط الى مجلس الوزراء، والذي يقوم بدوره باختيار الأفضل من بينهم وعرض العدد المطلوب الى مجلس النواب للتصويت عليهم.)
تبرز هنا مشكلتان : اولاهما آلية اختيار مجلس الأمناء وما هي الشروط المحددة، وهل ان عملية الترشيح تتميز بالمصداقية والمهنية ام انها خاضعة في النتيجة للمحاصصة والمحسوبية والحزبية، وهو ما جعل استقلالية الشبكة في مهب الريح، والمشكلة الثانية تتمثل في كيفية اختيار رئيس الشبكة وتنصيبه من قبل مجلس الأمناء، كما يفترض، ولم يطبق في الواقع ابدا، لأن اختيار رؤساء الشبكة كان يتم دائما من جهات او شخصيات حزبية مهيمنة،وفي الأغلب وفق المحاصصة والعلاقات الشخصية ، ومن ثم يكون تابعا لتلك الجهات ومنفذا لسياساتها!
ما هي المعايير، التي يجب مراعاتها عند اختيار رئيس الشبكة،وما الصلاحيات، ومن يقود الشبكة هل هو مجلسها أم رئيسها، واذا حصل خلاف او تقاطع بين الطرفين فمن يحكم بينهما!؟
التجربة العملية للشبكة منذ نحو عشرين عاما، لم تكن سليمة ، وكان الخلل الواضح يبدو في ارتباط الشبكة، ومن يتحكم فيها،وفي اختيار مجلسها ورئيسها!
استطيع ان اتحدث عن تجربة شخصية، من خلال ترشحي مع عدد من الزملاء والزميلات الاعلاميين المهنيين والاكاديميين، وكنا قد صدقنا اعلان الحكومة حينذاك منتصف عام ٢٠١٩، ان هناك توجهات نحو الاصلاح والتغيير وتجاوز المحاصصة المقيتة نحو الكفاءة والنزاهة والخبرة والشهادة العلمية، في مؤسسة ذات صفة ابداعية،وتكاد الشبكة ان تكون وزارة للاعلام بحجمها وامكانياتها ، فهي قلعة الإعلام الرسمي، وسط منافسة شرسة مع الاعلام الخاص والأهلي، لكسب عقول الجمهور وسط فضاء مفتوح دون رقابة او احتكار او تضليل!
تقدمنا للترشيح يحدونا التفاؤل الذي اصبح لاحقا وهما وخديعة، فقد رفعت ملفات نحو اربعين مرشحا الى مجلس الوزراء، من بين اكثر من ١٥٠ ، وقامت لجنة من كبار مستشاري رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بمقابلة المرشحين، وجرت حوارات مهنية وعلمية بين اللجنة والمرشحين حول الرؤية المستقبلية لتطوير الشبكة ومعالجة مشاكلها، وتمخضت اعمال اللجنة عن اختيار سبعة اسماء حصلت على المرتبة الأعلى في التقييم من حيث الشهادة العلمية والكفاءة والخبرة والموهبة الاعلامية، وتسربت الاسماء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبلغ المرشحون من قبل مكتب رئيس الوزراء ان ملف ترشيحهم سوف يطرح في أول اجتماع لمجلس الوزراء، لغرض المصادقة ومن ثم رفع الاسماء الى مجلس النواب ، وذلك بعد ان اكتملت جميع الموافقات من الجهات القانونية والاكاديمية والمساءلة والعدالة!
تأخرت المصادقة في مجلس الوزراء، بضعة اسابيع، ثم ظهرت قائمة اسماء جديدة، لا علاقة لها باللجنة والمقابلة، وتشكل مجلس ملفق يفتقر لأبسط شروط الكفاءة والمهنية،واستبعدت اسماء الاساتذة والاعلاميين الكبار ، وسط استهجان الجمهور، ورفض الوسط الاعلامي والثقافي، ولكن من يجرؤ على الكلام في ذروة التظاهرات ووباء كورونا، فتم تمرير الأسماء،وكان من نتائج هذا الاختيار المحاصصاتي الحزبي ان دخلت الشبكة في نفق من الازمات والمشاكل، حتى قرر مجلس النواب اخيرا حل المجلس ، ويبدو ان هناك نية لاعادة فتح باب الترشيح لمجلس الامناء خلال المدة المقبلة، ولكن ما الجديد.. هل سوف تتكرر المهزلة نفسها، هل تظل الشبكة رهينة المحاصصة والمحسوبية!؟
هناك دعوات لالغاء مجلس الامناء لأنه لم يؤد وظيفته في المرات السابقة، ولست من المؤيدين لهذا الاقتراح، فلو احسن الاختيار وصدقت النوايا ووضعت الشروط الصحيحة لاصبح المجلس هو العقل الموجه لخطاب الشبكة ورسم دورها في خدمة المجتمع.
اقول ناصحا ،وليس في نيتي الترشيح لأي منصب،اذا اردتم ان تكسبوا ثقة الناس في النظام السياسي كله فاعملوا على حسن الاختيار للمناصب العليا، ولتكن شبكة الإعلام العراقي هي الخطوة الاولى في الاتجاه الصحيح!
ضعوا معايير مهنية دقيقة لاختيار مجلس الامناء، انقذوا الشبكة من هيمنة السياسة والمحاصصة.
اذا لم تكن قيادة الشبكة كفوءة ونزيهة، سوف يكون الخطاب الاعلامي الرسمي في أزمة، ومن يفقد دفة الاعلام سوف يغرق في بحر السياسة الهائج!
فاعتبروا يا أولي الألباب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *