عبدالأمير المجر
من سمات دول المؤسسات، حرية التعبير واحترام القرارات بعد اقرارها، أي أن قوة عمل الدولة تتأتى من انضاج رؤية كل مؤسسة بعد اشباعها بالحوار الحر من قبل المسؤولين فيها، ومن ثم تصبح هذه الرؤية أو القرار ملزما للجميع بمن فيهم المعترضون عليه إن كانوا الأقلية.. ووجود الناطقين الرسميين في المؤسسات، لا سيما المهمة منها، يهدف إلى جعل صوتها النهائي واحدا ويعبر عنها أو عن وجهة نظرها.
في عراق ما بعد العام 2003 استخدمت حرية التعبير بطريقة أساءت لمعنى الحرية، وصار تبادل الشتائم والاتهامات والخروج عن اللياقة والذوق العام، جزءا من مائدة الاعلام العراقي في اغلب منابره، والأهم من هذا، أن بعض المسؤولين يتحدثون عن قضايا حساسة ويتبادلون الاتهامات بطريقة تثير الاشمئزاز، وتجعل المتحدث تحت طائلة القانون أو يجب أن يكون كذلك! لكن اطمئنان هؤلاء إلى أن أحدا لم يسألهم عن تصريحاتهم، التي تثير الرأي العام وتتسبب في خلق حساسيات معينة، تمس النسيج المجتمعي، أو تسيء لهذه الجهة أو تلك جعلهم في غيّهم يسدرون!.. لكن المشكلة صارت اكبر مع اتساع مساحة مستخدمي (الفيسبوك)، وتحديدا المهووسين منهم بالتلهي بنقل كلام هذا المسؤول أو ذلك، وما تضيفه اليه مخيلة هؤلاء الفيسبوكيين، ليكون اكثر اثارة ويحصل على أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات وغيرها.. بل أن البعض صار يفبرك الاخبار ويمنتج الصور ويكتب التعليقات التي يريد تسويقها، وينشرها على صفحته ليجد من يتفاعل معها ويرددها بطريقة ببغاوية، وهكذا صرنا نقرأ وباستمرار منشورات فيها الكثير من الكلام الثقيل والمخيف، كلام يتحدث عن احداث ستحصل أو مشكلات حصلت، ولم يعرف بها أحد! إضافة إلى الفضائح والكلام المجاني.. الخ.. حتى تداخل الصح بالخطأ والحقيقي بالمزيف، والأخير غالبا هو الاكثر! ناهيك عن كثرة القنوات الشخصية على موقع (اليوتيوب) والمحللين السياسيين، الذين باتوا يتناسلون بشكل مخيف ويتحدثون بما يعجبهم أو ما تجود به مخيلاتهم، باستثناءات قليلة جدا من الذين يتحدثون برصانة وينطوون على شيء يستحق المتابعة.
في المدة الاخيرة، وبعد ان بدأت اللجنة المالية في عملها لإعداد الموازنة الثلاثية، صرنا نقرأ وبشكل يومي تقريبا (تسريبات) عن بنود معينة أو فقرات فيها، يقولها أو ينسجها صاحب هذا الموقع، ويضيف اليها
صاحب موقع آخر وهكذا وجدنا انفسنا نتابع مسلسلا من المنشورات، التي بلبلت الاذهان واقلقت البعض واشاعت الكآبة بين الناس، ومنها فقرة إسقاط القروض التي لم نعرف حتى الان مضمونها بشكل دقيق.. والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هو لماذا لم تسمّ اللجنة المالية في البرلمان ناطقا مؤقتا باسمها يوجز بين مدة واخرى ما توصلت اليه اللجنة وطبيعة المناقشات، بشفافية لكي تتابع الناس هذا الشأن الذي يعنيها، كي لا تقع فريسة للمتقوّلين والمزايدين وعشاق الشهرة والظهور..
شخصيا تابعت الكثير من المنشورات عن الموازنة، يكتبها اصدقاء مشفوعة بتعليقاتهم، لكني أتجنب الرد أو التعليق عليها، لأني لم أعد اثق بالكثير الذي ينشر.. واتساءل؛ متى تصبح لدينا دولة مؤسسات حقيقية تثق الناس بما يقوله المتحدثون بأسماء مؤسساتهم وحدهم، لأن كثرة النواب والمسؤولين الذين يتحدثون ويتهمون ويخوّنون غيرهم على الفضائيات، افقد حتى هؤلاء المتحدثين بأسماء الوزارات جدوى وجودهم!.