النخيل نيوز
النخيل نيوزعامعامنيوز بار

في أوسع دراسة لمركز النخيل اعدها د. محمد نعناع.. الإنتحار – إحتجاج صامت وعاقبة صاخبة

كشفت دراسة خاصة اعدها الدكتور محمد نعناع وينشرها موقع مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية (حصريا)، عن ارتفاع غير مسبوق بحالات الانتحار خلال العامين الماضيين، مشيرة الى أن 80% من اسباب حالات الانتحار تعود الى سوء الاوضاع المعيشية.

وبينت الدراسة، أن حالات الانتحار في العراق لامست معدلات عالمية غير مسبوقة، وخصوصاً الارتفاع الكبير في العام 2021 ، كما ان العاصمة بغداد كانت في مقدمة المقدمين على الانتحار بطرق مختلفة ولدوافع مختلفة، مشيرة الى تسجيل 4125 حالة انتحار رسميا منذ عام 2016 وكانت اعلاها في عام 2022 اذ بلغت 772 حالة انتحار

ولفتت الدراسة الى بروز مؤثر جديد فاقم حالات الانتحار وهو “الابتزاز الالكتروني” وهذا السبب او المؤثر او الدافع برز بقوة مؤخراً وعادةً ما يكون ضحاياه من النساء، مشيرة الى قيام بعض مواقع التواصل الاجتماعي ببث افكاراً انتحارية او تلعب دورًا سلبيًا بموضوع الانتحار الى حد تجرأ بعضها على شرح كيفية تعلم الانتحار.

واقترحت الدراسة تأسيس صناديق لاقراض المتعسرين ووضع مؤسسات انفاذ القانون في حالة استنفار لمواجهة اي تطور يضر بالطرف الضعيف، فضلا عن تعزيز حماية المرأة في المجتمع.

وفيما يلي نص الدراسة:

مقدمة

لقد وجدت من المهم، بل من الضروري، البحث في هذه الظاهرة الخطيرة التي مهما حاولنا تجاوزها – حتى لا تُستساغ لدى الناس – تبقى مسألة معالجتها منوطة بالبحث العلمي الميداني، قبل التوجيه النظري والخطاب البلاغي والارشادي، نعم لا بأس بالارشاد والوعظ والتنبيه سواء من قبل المؤسسات الدينية او الفعاليات الثقافية بشكل عام، وبشرط ان لا يتعارض مع الخطة الوطنية، لكن الاصل في متابعة ظاهرة الانتحار، والمسار الذي ينتج ثمرات حقيقية، كما اعتقد، يكمن في عملية الاستقصاء الشامل والتفصيلي لافراد الظاهرة، وفي الطريق الى هذه المهمة رأيت وجوب الحديث عن ظاهرة الانتحار في المجتمع العراقي بالتفصيل، على خلاف اغلب الدراسات التي لم تجمع بين اسباب تزايد حالات الانتحار وتبويبها ودوافع المنتحرين، فلقد راجعت اكثر من دراسة حول الموضوع فوجدتها اما بعيدة عن الواقع ومكتفية بالتلميح، او معنية بالارقام الرسمية دون الاستقصاء بعيد المدى الذي يلج الى الحالات غير المسجلة، او الحالات الفاشلة التي لم يستودع اصحابها في مراكز خاصة لتأهيلهم بعد فعلتهم الخطيرة.

 ولذلك فأن البحث الذي بين ايديكم، سيركز على المسألة النظرية وارتباطاتها المعرفية والفكرية، فقط في المطلب الاول من المبحث الاول، اما المطلب الثاني منه، والمطلب الاول والثاني من المبحث الثاني فكلها مخصصة للجوانب الواقعية، وقد خصصت المطلب الاول من المبحث الثاني لسرد قصص اربعة منتحرين لمعرفة دوافع ممارسة العنف ضد النفس.

ومما يجب معرفته اولاً ان هذا البحث ركز على دراسة حالات لاشخاص اصحاء وليسو مرضى، فهم ليسو عصابيين ولا سايكوباثيين، وهم ايضاً اناس صالحين وليسو مجرمين او ذوي توجهات عنيفة، بعضهم كانت حياتهم وردية قبل ان تعصف بهم المشاكل التي ادت بهم الى القضاء على انفسهم التي وهبها الله لهم.

ان حالة الارباك الشخصية التي لم يقاومها المنتحرون، بقدر ما هي حالة مظهرة للفراغ الذي يعيشه الانسان المفارق للمعرفة وحب الحياة، هي ايضاً نتيجة لواقع مزدحم بالمشاكل، وهنا تصبح المناقشة الواقعية ضرورة قصوى، وهذه الضرورة تحرضنا جميعاً على صياغة حلول ملموسة تفرغ من اجلها الحواضر الاكاديمية والمؤسسات القانونية والمراكز الصحية كل ما في جعبتها من مناهج وخطط وقائية، ويجتهد الباحثون حد النصب من اجل ردم الهوة بين الانسان وحياته الغالية التي هي مع حيوات اخرى تشكل المجتمع الحيوي وبانكسار لبنة من بناء هذا المجتمع سيتضرر البناء بالكامل، لذلك عملية الترميم الاجتماعي يجب ان تستمر، وهي مسؤولية النخبة الخيرة في المجتمع.

المبحث الاول

الأبعاد النظرية والاحصائية لظاهرة الانتحار

ان الادراك المعرفي المبكر والاحاطة العلمية للحوادث الاجتماعية يقرب كثيراً من انتاج حلول حقيقية وواقعية، بل حتى منهج الوصف والملاحظة الحقيقيان الدقيقان يوفر بيئة مناسبة للتفكير بالمشكلة بشكل صحيح وبناء، واكثر من ذلك اذا ربط الادراك المعرفي والاحاطة العلمية والوصف المنهجي بالفهم المتجرد، فسوف تكون عملية مكافحة الظواهر الاجتماعية الهدامة والسلبية يسيرة وفي سياق غير مكلف من كل النواحي.

وان إعمال النشاط العقلي واستخلاص فلسفة الفعل الانساني، والفهم المنهجي لحركة الفرد والمجتمع، والحرص على تبويب الظواهر احصائياً وتراكمياً، سينتج رصانة معالجاتية كفيلة بتقليل ضرر الحوادث الاجتماعية، مما يفضي الى وجود معادلة احتوائية جاهزة للمشاكل ذات التأثير المتفاقم، وهذا بالضبط ما نسعى اليه في محاولة ملاحقة حالات الانتحار في المجتمع العراقي.

وفي هذا المبحث نقتصر البحث على مطلبين مهمين لاغنى عنهما في اي عملية بحث علمي وميداني:_

المطلب الاول: خلفية معرفية وعلمية

     يُعرف الانتحار(Suicide) اكاديمياً على انه : حالة موت ناتج عن فعل تأتيه الضحيه بنفسها بقصد قتل النفس(1)، وهو ايضاً موت ارادي يقدم عليه الشخص للخلاص من مشاكله وصعوباته التي نشأت من حياته مع الجماعة(2)، ويقوم بنفسه باختيار الطريقة او الوسيلة التي تحقق له انتحاراً تاماً.

وكثيرة هي التعريفات الاكاديمية او الاضافات على التعريف الرئيسي، ولكنها جميعاً تؤدي الى مؤدى واحد، وهو اختيار مصطلح محدد يناسب الحالة، وهذا يعني اننا نتحدث عن المعنى الاصطلاحي للانتحار وليس اللغوي، لان المعنى اللغوي لا يهمنا كثيراً في مثل هذه الدراسات، لانه يقتصر فقط على تعريف الانتحار على انه نحر او قتل للنفس، وهذا التعريف غير مهم بخلاف التعريف الاصطلاحي الذي يتغير تبعاً لكل حالة انتحار، ويكون مواكباً ومتسعاً كلما تطورت الحالات وطرق الانتحار، بل وحتى الدوافع والاسباب والمؤثرات.

ورغم ذلك فأن التعريف الاصطلاحي ايضاً تعتوره عدة ملاحظات، نذكر ثلاثة منها بلحاظ التعريف المذكور اعلاه:

اولاً : لم تتطرق التعريفات الاكاديمية بالعموم، او على الاقل الرسمية الى ان قتل النفس ليس بالضرورة بسبب المشاكل والصعوبات والضغوطات، بل من الممكن، بل والشائع في بعض المناطق، بسبب الاوهام والتخيلات، وهي حالات غير حالات الاكتئاب والمرض النفسي، وعدم الاهتمام برصد هذه الحالات يساهم بانتشارها لعدم وضع معالجات لها، لانك لا يمكن ان تضع علاجاً لشيء لم تعترف به او ترصده.

ثانياً: ان اغلب التعريفات للانتحار ذكرت بان المنتحر يختار الطريقة او الوسيلة التي ينتحر بها بنفسه، وهذا غير دقيق، بل في احيان كثيرة تختار البيئة وطريقة معيشة الشخص او اسلوب حياته طريقة قتله لنفسه. كما سنثبت لاحقاً.

ثالثاً: في اكثر من حالة انتحار تم رصد عملية تهديد انتحاري وليس اقداماً نهائياً على الموت، كما في احدى الحالات التي بحثناها، وسيأتي الحديث عنها لاحقاً، وهذا يعني ان اطلاق حكم ان المنتحر مقدمُ تماما على الانتحار غير صحيح، ويجب مراجعة العبارة التي تقول ان المنتحر متيقن من انتحاره تماماً، ويجب ان توضع وسائل حماية لمعارضة اتمام رغبة العائدين من الانتحار.

اذن التعريف التام للانتحار هو تعريف كل حالة على حدى، وبرأيي ان تعريف الانتحار على انه (ممارسة العنف ضد النفس) هو الأدق والأليق.

بين الاختياري واللاارادي

وبخلاف الحيوانات التي تنتحر ألياً ولا إرادياً، فأن الانسان يقينه عند الانتحار متلون بالشكوك، فالطاقة المحركة التي تحرك الحيوان وتثير هيجانه، كانتحار العقرب، طاقة بايولوجية منسقة مسبقاً، مجردة على غير هدى، دون ادنى تصور للعاقبة، او دون ادراك لفعالية الطاقة المحركة، انه نشاط حيواني لاواعي ناتج عن التفاعل مع الطبيعة(3)، اما في الانسان فالانتحار يمكن ان يكون احتجاجاً، ادانة لمن دفع المنتحر للانتحار، لذلك ياخذ الانتحار عند الانسان شكل الطابع الجنوني، تفكيراً وسلوكاً، اي ان الانسان لحظة القرار يكون منفصلاً عن الواقع، كما يكون المجنون منفصلاً عن المحيط لحظة قيامه بافعال معيبة او مقرفة او غير مستساغة. 

وقد يكون مبالغاً به ان نعبر عن الانتحار بأنه إدانة لمن سيبقى حياً، لكن هذا التعبير يصبح مقبولاً اذا كان هناك متسبباً حياً قاصداً او فاعلاً في حالة الانتحار، هنا يتفرع عن القضاء على النفس جريمة اخرى ارتكبها شخص اخر، حتى ولو بشيء من اللامبالاة او الدفع بالمنتحر على حافة الهاوية.

دوركهايم وبافلوف وباقر الصدر

وكما يقول إميل دوركهايم: الانتحار يعطينا فكرة عن الموقع الذي تحتله الانتحارات داخل مجمل الحياة الاخلاقية، فهو يبين لنا في الواقع، ان الانتحارات لا تشكل فئة معزولة كلياً، طائفة معزولة عن الظواهر البغيضة، لا علاقة لها بالنماذج الاخرى للسلوك، بل انها ترتبط على العكس من ذلك بهذه النماذج عبر سلسلة من الوسائط وهي ليست سوى الشكل المبالغ به للممارسات الشائعة(4).

وهذا يعني ان قوة اجتماعية دافعة لها مدخلية في عمليات الانتحار التي تاخذ شكل المجازفات المميتة، وبعضها ينحى منحى تهديدي قبل ان يتطور ليصبح يقيناً حتمياً.

ومن هنا يجب مناقشة ظاهرة الانتحار على انها مشكلة اجتماعية، وليس مجرد فورة فردية، وصحيح ان الفعل فردي وله خصوصية، بل سرية مطوقة بصخب لاحق، الا ان الانتحار المبرم سيتحول لاحقاً الى حدث اجتماعي او على الاقل حدث عائلي من الممكن ان يحدث ردات فعل او تاثيرات قوية مستقبلا لشخص او عدة اشخاص، وعبر المحاكاة او الترابط او العدوى النفسية (تنزلاً) من الممكن ان يتجرأ اخرون على القيام بنفس المغامرة عند اول عقبة حياتية تواجههم استسهالاً او تهوراً او تهديداً.

وهذا المنحى السايكولوجي المرتبط بتفسير تعاطي المجتمع مع التحديات الناتجة عن فعل فردي مؤذي تعامل معه محمد باقر الصدر بدقة في كتابه فلسفتنا في اطار صياغة المسؤولية على انها كفيلة بالمعالجة الاجتماعية، وذلك بتوضيحه طريقة بافلوف الشعورية واستدراكه على جنوحها المتفلت، حيث يقول: ان الشعور يتطور طبقاً للظروف الخارجية، وذلك لانه حصيلة الاعمال المنعكسة الشرطية التي تثيرها المنبهات الخارجية(5).

ان ما يحدد اساساً شعور الانسان، ليس جهازه العضوي، بل يحدده عكس ذلك المجتمع، الذي يعيش فيه الانسان، والمعرفة التي يحصل عليها منه، فالظروف الاجتماعية للحياة هي المنظم الحقيقي للحياة العضوية الذهنية.

وطبعاً لا يفهم اكثر الناس هذا الكلام العلمي او الفلسفي، ومنهم المنتحرون، لكن العلماء يفسرون سلوكياتهم على هذا النحو، وهذا يعني ان الكثير من الناس يعيشون حياتهم بطريقة تتعارض مع تفكيرهم او تفضيلاتهم الخاصة.

نعم ان الانسان – كما يقول الصدر- قد يكيف افكاره تكييفاً اختيارياً بالبيئة والمحيط كما نادت المدرسة الوظيفية في علم النفس تأثراً بنظرية التطور عند لامارك في البايولوجيا، فكما ان الكائن الحي يتكيف عضويا تبعاً لمحيطه، كذلك الامر في حياته الفكرية(6).

ولكن هل هذا التكيف ممكن لكل الناس؟

يفرق الصدر بين التكيف في الافكار العملية والافكار التأملية، فما كان وظيفته تنظيم الحياة في الخارج، يختلف عن الوظيفة الكاشفة عن الواقع، اذن التكيف يقع في الافكار العملية وهو تكيف اختياري وليس ألياً، وفي مقتضيات البيئة وظروفها(7).

سؤال الاخلاق وحب الذات

وبالنظر لسؤال الاخلاق، وكارثية فصله عن الحياة الانسانية، واستبداله بالنفعية المغطاة بالعملية او البراغماتية او التداولية، سيُعلن رسمياً عن المصلحة الشخصية كهدف اعلى لا يمكن المساس به، فأن الانتحار سيبدو مبرراً لان سياقه اختيارياً، والانسان العادي لا يعرف تبعات انحيازه لفكرة معينة فيمارس ترويجاً للمادية بدون ان يعرف، ويُنحي الاخلاق جانباً واقعاً تحت الضغط الدعائي مترنحاً هو وعقله وفطرته تحت ضربات العقل الجمعي، ولو سار باتجاه اخر لتجنب الكارثة التي وقع فيها والهاوية التي التهمته.

وحب الذات هو الغريزة التي لا نعرف غريزة أعم منها وأقدم، فكل الغرائز فروع هذه الغريزة وشُعبها، بما فيها غريزة المعيشة، فأن حب الانسان ذاته، الذي يعني حبه للذة والسعادة لنفسه، وبغضه للالم والشقاء لذاته، هو الذي يدفع الانسان الى كسب معيشته، وتوفير حاجياته الغذائية والمادية، ولذا قد يضع حداً لحياته بالانتحار، اذا وجد : ان تحمل ألم الموت اسهل عليه من تحمل الآلام التي تزخر بها حياته.

وبهذا الادراك الذي قرره باقر الصدر في بحثه عن “الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية” نفهم ان الاعتراف بالذات ومثله حب الذات قد يكون هو الدافع للانتحار كما هو الدافع للحياة(8)، وسنثبت ذلك عند عرض دراستنا للحالات التي حققنا فيها. فالقاعدة الفكرية الصحيحة للانسان في حياته هي ان يؤمن بان حياته منبثقة عن مبدأ مطلق للكمال، وانها اعداد للانسان الى عالم لا عناء فيه ولا شقاء.. فليس كل ما تفرضه المصلحة الشخصية فهو جائز وصالح لحياة الانسان.

فما دام شكل الحياة الاجتماعية ولونها وقوانينها يمس جميع افراد المجتمع مباشرة، فلابد للجميع ان يشتركوا في عملية البناء الاجتماعي، بالشكل الذي يحلو لهم، وليس لفرد ان يفرض على آخر ما لا يرتضيه، ويخضعه بالقوة.  وان المشكلة الاجتماعية التي تحول بين الانسانية وتكاملها الاجتماعي، هي التناقض القائم بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية، وما لم تكن الانسانية مجهزة بإمكانات للتوفيق بين المصالح الاجتماعية والدوافع الاساسية التي تتحكم في الافراد، لا يمكن للمجتمع الانساني أن يظفر بكماله الاجتماعي، وهنا تبدأ مرحلة البحث عن الامكانات المطلوبة(9).

 المطلب الثاني : احصاءات عن ظاهرة الانتحار

عادةً ما تصطدم الاحصاءات والاستبيانات حول حالات الانتحار في العراق بمعوق يجعل من عملية الاستقصاء والاحصاء والاستبيان عملية منقوصة، وبالنتيجة يخيم على اي عملية احصائية نقص في المعلومات، وخصوصا اذا كانت حالة الانتحار مرتبطة بمسائل حساسة، وهذا المعوق هو: عدم كفاءة ومهنية الكثير من الجهات البحثية والباحثين الذين يقومون بعملية الاحصاء او الاستبيان، وتأثرهم بالضغوطات الاجتماعية، وعدم رغبتهم بالدخول في مشاكل عشائرية او شخصية، لذلك تأتي الدراسات او الاستبيانات عادةً خالية من التفاصيل كأسماء المنتحرين وعناوينهم والاسباب الحقيقية لانتحارهم، والاكتفاء بالعموميات التي غالباً تكون معروفة للمطلعين والمختصين، وغالباً ايضاً ما تُصاغ بطرق مكررة، وهي نتيجة غير مهمة للبحث العملي الرصين، كما ان غياب التفاصيل كالاسماء والعناوين يعدم محاولة البحث مجدداً من قبل باحثين اخرين يرغبون باستكمال عملية الاستقصاء.

ومما يؤسف له ان بقاء العملية الاحصائية والاستبيانية في المؤسسات الرسمية كجهاز الاحصاء الوطني، وفي المؤسسات الخاصة كالمراكز البحثية، معتمداً على هذا النوع من العمليات الاحصائية والاستبيانية يُضعف من تطوير عمليات الوقاية والمعالجة للحالات الانتحارية، ويقوي من وصف الحالات على انها ظاهرة غير مبحوثة بجدية.

ويقول الباحث د.احمد حميد في تقريره المعنون (الانتحار في العراق- موت معلوم محاط بالكتمان) بأن حالات الانتحار تزايدت في العراق خلال الاعوام الخمسة الاخيرة، راصداً من خلال الاطلاع على دراسات اكاديمية بأن : المشكلة في إحصاء أعداد المقدمين على الانتحار في العراق كبيرة، الا ان الباحث يستقي معلوماته من أهل المنتحر، أو أصدقائه، وهؤلاء يخفون حقائق كثيرة، لأسباب ومحاذير اجتماعية غالباً، وأشار إلى أنّ “أغلب دوافع انتحار الفتيات كانت وضع حدّ لمعاناتهن بسبب الإهمال، أو وأد فضيحة تودي بحياتهنّ وسمعة عوائلهنّ، أو الاكتئاب(10).

ومما يعمق من نمطية اهمال التعرف الدقيق على اسباب الانتحار الحقيقية ودراستها بصورة علمية، تسليم الجهات المعنية للظواهر دون التحقيق التفصيلي للحالة، ولاحظت امراً مهماً، وهو في الوقت نفسه مخيباً، بل ومحبطاً، وهو ان أهل الضحية واصدقائه وزملائه في العمل، وحتى الجهات المعنية بالتحقيق الجنائي والطبي يستسلمون لأول رواية عن المنتحر، ولا يتوسعون في التحقيقات والبحث الانساني. وهذه المسألة بقدر حاجتها الى تشريعات وإجراءات وكفاءة ومهنية فأنها تحتاج الى ثقافة إنسانية تتولد من معرفة قيمة الانسان واهميته في المجتمع، وكذلك احترام العشرة والزمالة والصداقة، وتتعمق وتختزل المعلومات عن الحالة الانتحارية كلما كانت الحالة مرتبطة بقضية شرف كالخيانة الزوجية أو مرض يستنكره المجتمع كلايدز او اقتراف خطيئة شرعية متصلة بحالة امنية كتعاطي المخدرات(11).

الاسباب والدوافع الرئيسية لحالات الانتحار

تتوالى عملية كشف اسباب ودوافع جديدة للاقدام على الانتحار، وتتناسل ايضاً سبباً ينشق من سبب، وتتكامن دافعاً يردف دافع، فما كان سبباً اقتصادياً كالفقر مجرداً، توالدت منه دوافع جديدة كالقروض والديون، وما كان دافعه العنف الاسري انشق عنه مستقلاً الهروب الى المجهول، وهكذا تتوالى الاسباب كما انتج دافع الخوف من الفضائح الجنسية مؤخراً كارثة الابتزاز الالكتروني(12).

وحسب الاحصاءات الرسمية والاستطلاعية بنيت النتائج في الجدول ادناه:_

تالسبب او الدافع النسبة السنة الابرزملاحظات
1سوء الوضع المعيشي35%2003تشمل هذه النسبة البطالة والفقر وغلاء الاسعار وغيرها..
2العنف الأُسري20%2006 
3قضايا الشرف15%2010 
4الاكتئأب السوداوي12%2015 
5المخدرات10%2018 
6الصدمات الشخصية5%2020كالرسوب في الامتحانات، والملاحقة القانونية نتيجة دعاوى كيدية، والمسائل العشائرية، او الاصابة بامراض خطيرة، غيرها..
7الابتزاز الالكتروني3%2020 
8    
9    

جدول رقم (1)

احصاءات رسمية

بغية ترصين الجانب المنهجي والفني في البحث، نود ان نوضح ثلاثة أُمور هامة بخصوص الاحصاءات الواردة في هذا البحث، وذلك للمزيد من الدقة وتسهيلاً للمتابعة المصدرية :_

اولاً : الاحصاءات والمعلومات الواردة في البحث تم التأكد منها لدى وزارة الصحة ووزارة التخطيط ووزارة الداخلية ووزارة العدل، لان هذه الجهات هي المعنية بحالات الانتحار كلاً حسب تخصصه، وبعض البيانات والارقام تمت مطابقتها مع بيانات وتصريحات وندوات منظمة الصحة العالمية، وسوف نشير لمصدر كل معلومة في البحث.

ثانياً: بعض المعلومات استقيناها من بيانات وندوات وتصريحات رسمية للمفوضية العليا لحقوق الانسان(13)، وبعض مما ادلت به المفوضية المذكورة غير وارد في احصاءات وبيانات الوزارات اعلاه، وسيبدو ذلك واضحاً خلال مناقشة تفاصيل الحالات لاحقاً.

ثالثاً: اجرينا مقارنة بين عدد الحالات خلال السنوات السبع الماضية، لمعرفة معدل حالات الانتحار، وهل هو في صعود ام تراجع، وسنبين ذلك وفقاً لجدول نذكر فيه الارقام والزيادة السنوية وملاحظات تفصيلية اخرى.  

كما يبدو مهماً ان نبين في سياق اخر، وهو سياق بحثي استقصائي، عدة نقاط اخرى وهي:_

  1. ان حالات الانتحار في العراق لامست معدلات عالمية غير مسبوقة، وخصوصاً الارتفاع الكبير في العام 2021 ، كما ان العاصمة بغداد كانت في مقدمة المقدمين على الانتحار بطرق مختلفة ولدوافع مختلفة، وهذا يجعلنا نركز اكثر خلال الحالات في المبحث الثاني على السنتين الماضيتين وعلى الحالات في بغداد(14).
  2. 2-     ان تضخم ظاهرة الانتحار يعود إلى اسباب واضحة منها تفشي المخدرات والعنف الاسري والتفكك الاخلاقي والبطالة والفقر.
  3. الكثير من الحالات، وقد يشكل ما نسبته 80% هم دون سن الـ 25 عاماً ومعظمهم لا يملكون تحصيلاً علمياً(15).
  4. الجهات الرسمية عبرت اكثر من مرة عن عجزها في الحد او التقليل من حالات الانتحار، وهذه الجهات الرسمية مع مراكز حقوقية خاصة او مختصة هي من اطلقت على حالات الانتحار بـــالظاهرة(16).
  5. عند البحث في اهم المؤثرات التي من الممكن ان تحد من الظاهرة لاحظنا عدم فعالية العامل الديني والعشائري والاكاديمي في التقليل من الحالات عملياً، ولولا تدخل القوات الامنية وتحديدا الشرطة المحلية او النجدة والشرطة المجتمعية لتضاعفت الاعداد، وهذا يعني ان من اجهضت عمليات انتحارهم كان عبر القوة وليس بالاقناع والنصيحة والوعظ والارشاد الديني.
  6. تبنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بصراحة وبجرأة الاعلان عن تزايد الحالات، كاشفة عن وجود حالات كثيرة لم تسجل.  وباعتبار المفوضية العليا لحقوق الانسان جهة رسمية مسؤولة بالتاكيد توصلت الى احصائيات حقيقية، كما انها تلقت اشارات شبه يقينية عن ان الحالات ستتزايد مع وجود دواعيها ومحفزاتها في الواقع(17).
  7. إحصاءات وزارة الداخلية اعتباراً من العام 2020 تبنت حقيقة ان اكثر حالات الانتحار تجري بين فئة الشباب، وعللت ذلك إلى غياب الحقوق المدنية الحقيقية وقلة الخدمات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يتحمل أثرها الشباب بالدرجة الأساس(18).
  8. 8-   تبنت الشرطة المجتمعية وعبر مديرها غالب العطية بروز مؤثر جديد فاقم حالات الانتحار وهو “الابتزاز الالكتروني” وهذا السبب او المؤثر او الدافع برز بقوة مؤخراً وعادةً ما يكون ضحاياه من النساء. واضافت متابعة الشرطة المجتمعية مؤثراً خطيراً بهذا الصدد وهو قيام بعض مواقع التواصل الاجتماعي ببث افكاراً انتحارية او تلعب دورًا سلبيًا بموضوع الانتحار الى حد تجرأ بعضها على شرح كيفية تعلم الانتحار(19).
  9. نوهت الشرطة المجتمعية الى امر مهم وهو زيادة حالات الانتحار بعد اعلان نتائج الامتحانات النهائية وتحديداً لمرحلة السادس الاعدادي، كاشفةً عن تكثيف جهودها مع قرب إعلان نتائج الامتحان حيث تكثر فيها حالات الانتحار(20).

ارقام مخيفة وحالات صادمة 

اكثر من اربعة الاف حادثة انتحار خلال سبعة اعوام، من غير الحالات التي لم تسجل مطلقاً، او الحالات التي مازال التحقيق جارياً بخصوصها، ولم تعتبر حتى الان حالات رسمية، واغلب تلك الحالات حدثت بطرق بدائية، وغلب ايضاً عليها طابع اللامبالاة من اقارب الضحية، ومن الجهات المعنية.

والجدول التالي يوضح التصاعد المخيف في حالات الانتحار مابين سنة 2016 وسنة 2022 :_

تالسنةعدد الحالاتالزيادة ملاحظات
12016393  
22017462+69   
32018530+70 
42019605+75 
52020663+58 
62021772+109 
72022700+…-72ناقص الارقام التي لم تدرج مؤخراً
8   المجموع = 4125 حالة انتحار مسجلة رسمياً

جدول رقم (2)

المبحث الثاني

تحقيقات ميدانية

نشأت فكرة البحث ميدانياً حول حالات الانتحار من ضرورة الوصول الى معلومات حقيقية عن الضحايا، والابتعاد عن التعميمات المكررة والشعبويات المعتادة، فهذا الاسلوب غير العلمي تسلل الى الدوائر الرسمية والحواضر الاكاديمية، واصبحت وسائل الاعلام مروج لافكار سطحية وساذجة عن ظاهرة الانتحار، وذلك بسبب عدم ادلاء المعنيين بتصريحات دقيقة مبنية على وقائع ومعلومات من واقع الضحية ومحيطه العائلي والاجتماعي.

ان العملية المطلوبة على نحو ملح وعاجل حالياً ليس انتاج نمطيات عن ظاهرة الانتحار، بل تعميق البحث العلمي وربطه بالتقصي الميداني لوصف كل حالة على حدى، ثم الانتقال لوضع قواعد عامة تساعد في المعالجات المسبقة، وهذا ما قمنا به خلال عملية البحث الميداني لحالات الانتحار، فقد لاحظنا طرق تنفيذ مختلفة يقوم بها المقدمين على الانتحار لانهاء حيواتهم، فقد تعددت طرق التنفيذ بين اطلاق النار على النفس او الاحراق او الشنق او الاغراق او تناول جرعات زائدة من الادوية او جرح شرايين اليد(21)، ولاحظنا ان السبب او الدافع للانتحار يولد اختيار الضحية لطريقة تنفيذه لعملية الانتحار او وسيلة او اداة الموت، فمثلاً اغلب الرجال الذين تحبطهم الظروف المعيشية ينتحرون باطلاق النار على رؤوسهم، في حين ان هذه الوسيلة غير معتادة لدى النساء، واغلب المكتئبين يقتلون انفسهم شنقاً، ومثلهم متعاطي المخدرات غالباً، وقد اشتهر اسلوب الحرق لدى النساء اكثر منه عند الرجال.   

اهم خمسة اسباب للانتحار وطرق التنفيذ غالباً حسب دافع وهدف الانتحار

تالحالةطريقة التنفيذملاحظات
1العنف الاسريالنساء غالباً يحرقن انفسهمهناك حالات محدودة للنعف الاسري ضد الرجال ادى الى الانتحار
2سوء الوضع المعيشيالرجال غالباً يطلقون النار على انفسهمغالباً الانتحار عبر اطلاق الناس على النفس يخص الرجال، والنساء يلجأن الى طرق اخرى للانتحار بسبب البؤس المعيشي.
3قضايا الشرفالانتحار حرقاً 
4المخدراتجرعات مخدرات زائدة + الشنق 
5الاكتئاب السوداويالانتحار شنقاً 

جدول رقم (3)

وفي طرق البحث الميداني نحاول ان نعيش قصص المنjحرين كما هي(22)، ونستخلص منها نتائج اقرب الى الحقيقة، ونستنبط منها الدوافع الذاتية والرسائل المخفية، وقد اخترنا في المطلب الاول من هذا البحث اربعة حالات مختلفة من حيث الدوافع والظروف وطرق تنفيذ الانتحار، وفي المطلب الثاني حاولنا وضع معالجات واقعية لظاهرة الانتحار وفقاً لما استقصيناه من حالات وليس على نحو العموم، ونعتقد كلما زادت عملية الاستقصاء والتحقيق في حالات الانتحار ستبرز لدينا معالجات جديدة، ولكن هذه العملية ستكون مكلفة جداً وتحتاج الى جهود علمية ولوجستية كبيرة.   

المطلب الاول : الحالات المبحوثة  

الحالة الاولى: صدمة شخصية – (ح  ك )

لم يكن اي احد من الذين يعرفون (ح ك) يتوقعون انه سينهي حياته بهذه الطريقة المأساوية، بل كانوا يتوقعون انه على اتم استعداد لاقناع ميت بالعدول والعودة الى الحياة، كان مرحاً خلوقاً مؤمناً بالله، كل الذين يحيطون به من اخوان وابناء عمومة واصدقاء وجيران يشهدون له بالصدق ويدينون له بالاحترام ويستمعون له وكلهم اذان صاغية، ويلتمسون منه مساعدة عندما يقعون في المشاكل، ويجدونه عند حسن ظنهم دائماً، كان يحب عمله رغم صعوبته لانه عمل يحتاج الى مجهود بدني كبير ولكنه عمل محترم اجتماعياً ومربح اقتصادياً ومضمون معيشياً، كان يعمل بناءً، او كما يسمى بالعامية العراقية (خلفة) وكان في عمله هذا (شاغولاً) كما يطلق العراقيون على من يجتهد في عمله.

كان (ح ك) رب عائلة كبيرة، ويحيط به اخوة وابناء عمومة كثيرون، وكان واصلاً لرحمه ملتزما بالاعراف الاجتماعية، لم يؤشر عليه سلوكاً مشيناً ولم يدان باي جريمة قانونية او اجتماعية او اخلاقية، بل كان حسن السيرة والسلوك، بل اكثر من ذلك كان عطوفاً متسامحاً، وصادف انه خفف الكثير من المصاعب عن اشخاص مقربين منه اما بمساعدة عينية منحها او بكلمة طيبة جادت بها نفسه المرحة.

لكن كل ذلك اختفى بتلك النظرة الاخيرة التي كانت اخر نظراته في الحياة الدنيا، لم يكن ذلك الذي نظر الى كاميرا المراقبة في باب بيته ليطلق النار من سلاح الكلاشينكوف على رأسه هو (ح ك) الذي نعرفه، كان متجهماً غاضباً مودعاً، وكان وداعه مفاجأً ومستغرباً للكثير من الناس، ولكن فكرة تولدت لدي وتسللت الى عقلي وهي ان (ح ك) حتى في عملية انهاء حياته كان منصفاً محباً للاخرين، فذهابه الى كاميرا المراقبة ليعلن انتحاره كان هدفه ان لا يُتهم اي احد بمقتله، لقد وثق انتحاره بنفسه معلناً خروجه من الحياة بارادته.

اما سبب الانتحار فكان الديون التي تراكمت عليه بسبب فشله في ادارة مشروع تجاري كان يروم من خلاله تحسين وضعه المعيشي، ودافعه الى الانتحار كان شعوره بتخلي الكثير من المقربين عنه ومضايقة الدائنين له.

وعند التحقيق في حجم الديون المتراكمة بذمة (ح ك) توصلت الى مبلغين ماليين، ولحد هذه اللحظة لا اعرف ايهما صحيح، رغم ان معلوماتي من اهله واخوته، فالمبلغ الاول (خمسون مليون دينار) والمبلغ الثاني  (مئتي مليون دينار)، كما ان طريقة استدانته للامول ايضاً لم تتوضح لدي، لانها لم تسجل في وصولات رسمية او خاصة، واغلب الاقاويل كانت تتحدث عن قروض بفوائد كبيرة، رغم نفي بعض المقربين لجوء (حسن) الى هذه الطريقة في الاستدانة لانها طريقة ربوية، ولكني ارجح انه استخدم طريقة شراء الدولار بالدينار العراقي.   

الحالة الثانية: ضياع واكتئاب سوداوي – س ج ح

عاش (س ج ح) في ظل عائلة كبيرة، اعمام واخوال وأب هادئ لا يهمه في الحياة سوى تربية ابناءه على الاعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية المعتادة وتوفير لقمة العيش من الحلال، وهذه ميزات وايجابيات تمنح اي انسان فرصة افضل للعيش الكريم، فالعائلة الكبيرة المحيطة بالطفل والمراهق ثم الرجل الراشد تمنحه الثقة، ووجود أب رحيم كريم مسؤول يعطي للبيت هيبة وطاقة ايجابية، وحتى زواجه كان (س ج ح) على هذه الحالة، لكن حالته تدهورت وضاع في غابة المخدرات وكان دخوله في هذا المستنقع الآسن بصمت شديد، وغير معروف على وجه الدقة اذا ما كان لموت خاليه (ع الح وك) علاقة بأزمته مع المخدرات، فخاله  (ع الح) قتل بطريقة بشعة في الاحداث الطائفية التي عصفت بالعراق، و خاله (ك) قتل في ظروف غامضة وبطريقة مشبوهة، ولا يعرف اي احد حتى الان دوافع القتل او التصفية.

في ايامه الاخيرة دخل (س ج ح) في خلافات مع عائلته، واغلب هذه الخلافات كانت تتمحور حول سلوكه العصبي، مشاكل داخل العائلة لا يمكن ان يقف على حقيقتها من هو خارج عن عائلته، لكن هناك مؤشر يوحي بأن (سجاد) هو سبب المشاكل لانه كان طرفاً في كل هذه المشاكل، مع زوجته ومع امه ومع جميع اطراف عائلته، وعند الاقتراب اكثر تبين ان هذه المشاكل كانت بسبب تعاطيه للمخدرات، ففي الفترة الاخيرة تفاقمت المشاكل وتزايدت المعاناة مع اكتشاف تعاطيه للمخدرات من قبل عائلته ثم للجيران ولمعارفه واقاربه، وساءت الاحوال اكثر عندما اصبح غير قادر على شراء المخدرات وقد اصبح يحتاجها بشكل اكثر وبكميات اكبر، لكن قبل ذلك، اي قبل العوز المادي، لم يكن سجاد مرتاحاً وكأنه كان خائفاً وعارفاً بعاقبته، وفي احد الأيام هبت عاصفة من الخلافات العائلية، تمخضت عن خروج الاوضاع عن السيطرة، وكان بطل هذه العاصفة (سجاد) الذي يبدو انه دخل في نوبة اكتئاب سوداوي، ثم صحى ليدمر نفسه اكثر عبر اثارة مشكلة كبيرة في العائلة، وعندما تمت مواجهته تراجع الى الوراء خطوة واحدة، ليقرر شنق نفسه بشال نسائي متين ربطه في سقف الغرفة، وبعد فترة قصيرة فتحت زوجته الباب لتجده معلقاً ولسانه متدلي الى الامام وعيناه جاحظتان ووجهه مزرق ويداه باهتتان، فلم تستوعب ما تراه، ولكن عدم استيعابها للمشهد لا يغني شيئاً بعد ان وقع الفأس بالرأس.     

الحالة الثالثة: احتجاج عاصف – م ح ز

كانت (م ح) مبتهجة بزواجها رغم صغر سنها عند اقترانها بزوج احبته سريعاً، واثمر زواجها سريعاً بمولود جاء في اجواء مملوءة بالترقب الايجابي من قبل الأهل، كانت مملوءة حيوية ومحبة للحياة، وقريبة من كل قريباتها ،مشاركة في كافة المناسباب الاجتماعية، حاضرة في الافراح والاتراح.

ذات التسعة عشر ربيعاً تغيرت حالها في السنة الاخيرة، وخيم على وجودها عنف اسري متكرر غطى على كل ما من شأنه ان يديم حياتها، زوج تحول الى مستذئب في صفها نهاراً ومجافٍ ليلاً، واهل زوج تجرأوا على ضربها اكثر من مرة، لم يكن هناك سبب غير عادي يدعو لكل هذا العنف، ولم تكن هي ايضاً بسبب صغر سنها وتحمل مسؤولية ثلاثة اطفال قادرة على التعامل مع الموقف العنيف الذي اكتنف حياتها بحكمة وتعقل، لقد ضاعت في دوامة العنف الممنهج وطحنتها ماكنة اللامبالاة، فلم تجد من يسندها ويحتويها ويفهمها، كانت اقسى كلمة تسمعها (اصبري، فكل فتاة يحصل لها ذلك) سمعت هذه العبارة الى حد اصبحت تعني عندها قبولهم باهانتها، بمعنى انها رأت الجميع يلغون تقديرها لذاتها واحترامها لكينونتها، ورغم صعوبة ترك الاطفال الثلاثة، ورهبة الاقدام على الموت، ذلك المجهول الذي يخاف منه اشجع الشجعان، الا انها قررت الاحتجاج، فغادرت بيت زوجها قاصدة بيت اهلها، وعزلت نفسها وقررت ان تنهي حياتها فاحرقت نفسها لتعلن رفضها سحق تقدير ذاتها، محتجة على عدم وجود حل لمشكلتها، وفي اللحظات الاخيرة من حياتها فضفضت لقريباتها قائلة انها فكرت اكثر من مرة بالانتحار، وكانت عازمة على انهاء وجودها ولكنها كانت تُراجع نفسها فتتريث، وهذه المرة قررت وفعلت، لكنها ايضاً اعترفت انها وعند احراق نفسها كانت مخطئة ونادمة، وكان دافعها احتجاجياً، وشعرت بانها كانت تريد العودة الى الحياة، وداعبت خيالها فكرة تخويف المتسببين بمشكلتها، ولكن كل ذلك راودها بعد خروج السهم من القوس، قالت كلمتها وشهدت بنفسها على مأساتها، وفارقت الحياة.  

الحالة الرابعة: مضايقات عشائرية – ج ع إ

تفاجأ (ج ع) بأن والده الذي توفي قبل شهر تقريباً مديناً بمبلغ كبير من المال لعدد من المرابين واصحاب المهن التجارية، لم تكفي فاجعة فقد الأب، بل لحقته فاجعة اخرى، بل مصيبة كبرى، اناس لا يعرفهم يتجمعون بين فترة واخرى عند باب بيته ليطالبوه بتسديد مبالغ بالملايين ويهددونه بشتى التهديدات من اجل استرجاعها، ومن هذه التهديدات الاستيلاء على بيته بالقوة، او بقوة العشيرة، واستمرت المضايقات العشائرية ولم تنفع الوسطات العرفية والحماية الامنية والتأجيلات الاخوية من انهاء المشكلة، فجعفر لا يمتلك المال لانه يعيش على هامش الحياة بسبب صعوبة الكسب اليومي، وكما يقال في العامية العراقية (يركض والعشا خباز) ومما فاقم ازمته عدم قبول الدائنين بتقسيط المبلغ بشكل مريح ليلتقط انفاسه، بل اعتبروا هذا الحل الذي ربما يكون مجدياً مجرد تسويف، لان الديون مستحقة قبل وفاة الوالد، ومنذ وفاة الأب لم يسدد اي مبلغ، وما زاد الطين بلة عدم مساعدة ابناء عمومته له ولو بجزء من المبلغ، وهذا ما جعله يشعر بضيق الدنيا عليه وثقل المسؤولية على كاهله، وفي مثل هذه الظروف ينفتح طريقان لا ثالث لهما، فأما المواجهة واستخدام العنف واقحام الأهل والعشيرة بصراعات وحرابات قد تتوسع فتمطر الدنيا دماً على الجميع، او يستسلم وينهار نفسياً وعصبياً ثم يتخذ قرار غير مسؤول، قرار قاسٍ جداً بحق نفسه، ولربما بحق عائلته ايضاً، وبعد مطاولة غير قليلة استسلم (جعفر) واتخذ قراراً باطلاق النار على نفسه، ولكنها كانت محاولة فاشلة نجا منها باعجوبة، فاعاد الكرة في وقت لاحق، ولكن هذه المرة قرر الانتحار شنقاً ونجح في مسعاه المأساوي، متوجهاً الى الطرف الاخر من الحياة ومنتقلاً الى عالم مفتوح الاحتمالات بجريرة غيره.

وهذه معلومات اكثر تفصيلاً عن الحالات الاربع:_

تالاسمالجنسالسببطريقة الانتحارالحالة الاجتماعيةالعنوانالسنة
1ح كذكرصدمة شخصية نتيجة ديون ماليةاطلاق نارمتزوج 1967بغداد – معامل الباوية2020
2س ج حذكرمخدرات واكتئاب سوداويشنقاًمتزوج 1996بغداد – النهروان2021
3م ح زانثىعنف اسريالانتحار حرقاًمتزوجة 2002بغداد – حي اور2022
4ج ع الله اذكرمضايقات عشائرية بسبب ديون متراكمةاطلاق نار فاشل ثم شنقاً  متزوج 1992بغداد – الراشدية2022

جدول رقم (4)

المطلب الثاني : خلاصات ومعالجات

نستخلص من مجموع الحالات التي ذكرناها، وحالات اخرى اطلعنا عليها بشكل اقل عمقاً، بان السبب الاكثر عمومية الذي يدعو الانسان للانتحار هو نوعية ثقافة المجتمع، وبدرجة اقل تأثير البيئة المحيطة به، بمعنى ان المجتمع ليس مثقفاً لانقاذ المقدمين على الانتحار، لان هذا النوع من انهاء الحياة عادةً يكون سرياً ومباغتاً، وهذا النوع من التضحية بالنفس يحتاج الى وعي معقد لاكتشاف الرغبة الانتحارية الكامنة لدى المنتحر قبل ان يقوم بفعلته الخطيرة، كما ان الكثير من البيئات المحلية فاقدة للاهتمام، بل في بعض الاحيان لا مبالاة الذين يسكنونها تكون محفزة للشخص المنتحر، لذلك يجب تدريب المجتمع على الالتزام بالتدابير الاحترازية، واعتماد اسلوب حياة آمن.

 ويغيب بدرجة كبيرة في مجتمعنا (الرفيق) الذي يرصد الانفعالات المتكررة للضحية، ويسعى لكبحها بمساعدة الضحية على تجاوز الازمة جذرياً، او التنبيه لها، ولذلك تراكم الانفعالات وتفاقم التفاعلات المأساوية يشكل ضغطاً كبيراً على الضحية فيشعر انه وحيد في هذا العالم، فالمشاكل التي ادت الى تفريط المنتحرين الاربعة اعلاه بأنفسهم ليست مشاكل وجودية او تغذيها مسائل معرفية، كما في حالات شهيرة كحالة الروائي العالمي ارنست همنغواي او الممثل الهوليودي روبن وليامز، بل هي مشاكل اجتماعية، مشاكل اقتصادية معيشية، ومشاكل عنف اسري وادمان على المخدرات، وكلها مشاكل قابلة للحل بسهولة، لكن غياب ثقافة البحث عن الحلول، او ايجاد حلول غير معتادة بدلاً عن الانتحار مفقودة تماماً، كان بالامكان حل جميع المشاكل التي ادت الى انتحار حسن وسجاد وميامي وجعفر، لانها مشاكل قد يتعرض لها اي انسان ويعالجها وتصبح من الماضي.

ان فقدان (ح ك) للسند لتجاوز مشكلته، وخسارة (س ج ح) الفهم والاستيعاب الكافي من قبل عائلته للتعامل مع ادمان المخدرات، وتناسي (م ح) الاحتواء الابوي المدخر لمثل هذه المطبات الزوجية، وقلة خبرة (ج ع) في التعامل مع المضايقات العشائرية، لم تكن فقط اسباب كافية للاقدام على الانتحار، بل تمثل ادانة للمجتمع والدولة وحتى المؤسسات الدينية، فكان من الطبيعي ان يجد (ح ك) مخرجاً عن طريق مؤسسات الحكومة او المؤسسات الشرعية او المنظمات الحقوقية للخروج من ازمته المالية، ففشله في مشروعه التجاري لا يجب ان ينهي حياته، حتى لو اخطأ في دراسة الجدوى او جهل ادارة موارده المالية، ولو توفر فهم كافي لـــ(س ج ح) وعائلته للانتصار على الادمان، وساعدت الجهات المعنية في توفير المصحات المناسبة، لما فقد هذا الشاب بهذا الشكل المأساوي، ولو لم تتزوج (م ح) وهي صغيرة وتحصلت على تعليم متقدم وفهم مناسب للحياة، واحتواها احد افراد اسرتها كالاب والام والعم والخال، لما تراكمت المصائب فوق رأسها، ولو فهم المجتمع ان القران الكريم يقول لا تزر وازرة وزر اخرى، والعقوبة في القانون شخصية لا تنتقل من شخص الى اخر ولو كان ذا قربى، لما تمت مضايقة (ج ع) وحشره في زاوية حرجة كتمت انفاسه الى الابد.

ان الحياة لا تستقيم ان لم يكون للانسان فيها تقديراً لذاته، ومن تسحق ذاته، سيجد تقديرها في انهائها وتسجيل خروج من هذا العالم وتسجيل دخول في عالم اخر، ان تقدير الذات عند المنتحرين اصبح يساوي موتهم، لقد انساقوا الى الغربة، وهنا يصبح الانسان منبوذاً من نفسه فاقداً للانسجام مع الاخرين، والفكرة الانتحارية القابعة في الاعماق تغلبت على الاستتار وخرجت الى العلن، لقد تقوى الطفيلي على من ضيفه. وهذا ما يدعونا الى القول بان قرار الانتحار ليس طارئاً او لحظياً او عفوياً، لا يتخذ القرار بشكل مستعجل، بل هو معتق في النفس، على الاقل هذا ما رأيناه في حالة (م ح)  و(ج ع)، فالاولى صارحت الجميع بالتفكير اكثر من مرة بالانتحار، والاخر فشل في محاولة ونجح في الاخرى. وهذا يعني بالامكان اكتشاف الرغبة الانتحارية قبل حدوث الطوفان.

ان هؤلاء الذين نحن بصدد تحليل اسباب انتحارهم، ووضع معالجات لحالات مشابهة لم يكونوا مرضى، انهم اصحاء يمشون بيننا، ولكنهم لم يتحملوا الضغوط الى تسلطت عليهم، كان هدف بعضهم الهروب الى الامام من البؤس، وكان هدف الاخرين الاحتجاج على الواقع وتوجيه ادانة الى المتسببين بضياع حيواتهم.

ولذلك فأن الحالات الانتحارية المحتملة تستحق منا وضع معالجات مدروسة لحالات مشابهة قد يكون مصيرها كمصير ( ح ك وس ج  وم ح وج ع)، ومن هذه المعالجات:_

  1. تشخيص لحظات الانفعالات المتطرفة عند الاشخاص المحتمل اقدامهم على الانتحار، وذلك عبر منهجيات ثقافية توعوية متوالية.
  2. كبح المواقف المتسرعة وذلك ببث التفكير الايجابي، وهذا التوجه يجب ان تشترك فيه مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية، وبلحاظ اهمية هذا الدور الفكري والمعرفي يجب الابتعاد عن النبرة الوعظية والتوجه نحو الاقناع التثقيفي، فالنبرة الوعظية تميل الى الفرضية والحدية، اما الاقناع الثقافي فيعالج المشاكل جذرياً وتدريجياً.
  3. في المشاكل المالية التي تؤدي الى الانتحار يجب ان تقوم الحكومة بدورها، وتؤسس صناديق لاقراض المتعسرين كما في حالة (ح ك وج ع) ووضع مؤسسات انفاذ القانون في حالة استنفار لمواجهة اي تطور يضر بالطرف الضعيف.
  4. ، ويجب حمايتها كذلك من اقرب الناس لها، كما في حالة ميامي، فتأثير الوسط العائلي ليس ايجابياً دائماً بل قد يكون على درجة كبيرة من السلبية، ففقدان العلاقة المحفزة على التعايش امر وارد، واذا لم يتعلق الفرد بموضوع يتجاوز معه السلبية فانه يفقد المبرر لوجوده، والا لماذا اصبحت (م ح) وحيدة حد الموت وهي بين عدة اقارب يحبونها، انها القرابة الكلاسيكية الخالية من الرقابة القانونية.
  5. يجب ان تشيع الدولة قدرة الانسان على تجاوز ادمان المخدرات، وبموازاة التحذير من المخدرات تعطي املاً للمدمنين، واشاعة ثقافة التعافي من المخدرات يجب ان تسود المجتمع، حتى لا يقتل (س ج) اخر نفسه تحت ضغط الادمان والمشاكل الناتجة عنه. 
  6. يجب تقييد حرية الفاشلين انتحارياً، لان تركهم بدون مراقبة مباشرة او غير مباشرة سيحرضهم للقيام بالفعل مرة اخرى، كما في حالة (ج ع) فالسلوك المندفع العنيف والعدواني الفاشل – حسب فرويد- عملية مرور الى الفعل، ويعني ايذاءً للنفس بدون الوصول الى انهاء الحياة، لكن المنتحر هنا مر بالفعل كأنه عاشه بالفعل، لذلك يجب ان يُسال عن الفعل كأنه في القبر، وهذه محاولة واعية لمعرفة الدوافع والمشاعر والميول على حقيقتها.   

خاتمة

بعد كل ما قيل في هذا البحث الموجز، يبقى الامل متاحاً بأن مجتمعنا قادرٌ على تجاوز المحن، فهنا على ايدي ابناء هذا المجتمع تكسرت اقوى مصاعب الحياة، لقد مررنا بحروب كبيرة فتجاوزنا، وحصارات مدمرة فقاومناها، واحتلالات بغيضة فواجهناها، وارهاب وفساد وتجهيل وتضليل، وما اشد من هذا جميعاً هو الحروب النفسية التي تشن على المجتمع بهدف اخضاعه، من اجل تغيير هويته، ولا عجب وغرابة اذا قلنا بأن ما يشهده العراق من تزايد في حالات الانتحار، حتى اصبح ظاهرة ملفتة، هو بسبب محاولات اذكاء الفتن فيه وبث الرعب بين ابناءه، وهنا يجب ان ننتبه الى معالجة جديدة تتجاوز مجرد وضع معالجات فردية او شرائحية الى معالجات وطنية تحصن المجتمع بالكامل من موجات الاخضاع العالمية، وهذا ما يجب ان تشترك فيه مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني الوطنية والانسانية، فيتبلور وعي يتحرك بجدية كلما طرأت على المجتمع ظروف قاسية تدفع ابناءه الى اتخاذ قرارات غير صحيحة ولها مردودات وتأثيرات سلبية استراتيجية.

المصادر والهوامش

  1. التحليل المكاني لحالات الانتحار – دراسة اكاديمية – د.ماهر ناصر عبد الله- مجلة العلوم الانسانية- كلية التربية للعلوم الانسانية- المجلد 33 العدد الثاني – حزيران 2016 /وينظر ايضاً ظاهرة الانتحار في العراق واسبابها – دراسة ميدانية – د. نبراس طه خماس- الجامعة المستنصرية
  2. ظاهرة الانتحار وباء يصيب المجتمع الايزيدي (تعريف الانتحار) – دائرة رصد الاداء والحقوق- قسم الاقليات – وزارة حقوق الانسان 2012  
  3. الانتحار Le Suicide– اميل دوركهايم – ترجمة حسن عودة – ص10 – منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب 2011
  4. المصدر السابق ص64
  5. فلسفتنا –  محمد باقر الصدر – دار التعارف بيروت –ط2 سنة 1998- ص341
  6. المصدر السابق ص343
  7. نفس المصدر
  8. سلسلة المدرسة القرانية – كتاب الانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية- محمد باقر الصدر-دار الكتب العلمية في النجف الاشرف – ط3 السنة 1388- ص109
  9. اقتصادنا –  محمد باقر الصدر- مؤسسة دار الكتاب الاسلامي- ط3 سنة 2004 – ص321
  10. دراسة منشورة على موقع (حفريات) عام 2019  للدكتور احمد حميد وهو باحث واكاديمي عراقي
  11. تقرير منظمة الصحة العالمية- نقلاً عن الدراسة الوطنية الاولى للانتحار في العراق الصادرة عن مركز البيان للدراسات والتخطيط
  12. الدراسة الوطنية الاولى للانتحار في العراق بين عامي 2015 و2016 – مركز البيان للدراسات والتخطيط 2018
  13. تقرير المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق لعام 2022
  14. نفس المصدر / تصريح الناطق باسم مفوضية حقوق الانسان باسم البدري في 7 نوفمبر 2022
  15. دراسة مركز البيان للدراسات والتخطيط/ ينظر ايضاً بيان المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في 10 نوفمبر 2022
  16. تصريح رسمي من وزارة الداخلية في 25 ديسمبر 2021 – المتحدث باسم الوزارة اللواء خالد المحنا/ وينظر تقرير موقع قناة الحرة بنفس التاريخ /وينظر ايضًا تقرير استقصائي للتلفزيون العربي في لندن بتاريخ 7 نوفمبر 2022   
  17. تقرير المفوضية العليا لحقوق الانسان لعام 2022
  18. تصريح وزارة الداخلية لوكالة الانباء العراقية الرسمية بتاريخ 24 شباط 2022 – متابعة موقع الترا عراق لتصريح مدير الشرطة المجتمعية غالب العطية
  19. المصدر السابق
  20. المصدر نفسه
  21. دراسة مركز البيان للدراسات والتخطيط – مصدر سابق
  22. مصادر قصص الانتحار الاربعة التي درسناها واستخلصنا منها الدوافع والاسباب كانت عن طريق لقاءات مباشرة من ذوي الضحايا. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *