النخيل نيوز
آراءنيوز بار

ربع قرن في ألف باء

بقلم: محسن حسين

يختلف العمل الصحفي في مجلة إسبوعية عنه في وكالة أنباء او في الصحف اليومية او القنوات اللتلفزيونية ومحطات الاذاعة.
في وكالات الأنباء يكون الوقت من ذهب كما يقال. هناك سباق دائم مع النفس ومع الغير لإيصال الخبر إلى المشتركين أو المتصفحين أما المجلة الأسبوعية فان هناك راحة تامة لمدة أسبوع بل أحيانا تعد المادة ولا تنشر إلا بعد أسابيع.
وقد عملت في مجلة ألف باء وهي أشهر مجلة عراقية وأطولها عمرا وأوسعها انتشارا على مدى تاريخ الصحافة في العراق.
في الشهر المقبل حزيران 2014 وفي يوم 12 منه اكون قد بلغت الثمانين ومن عمري الصحفي حتى ألان البالغ أكثر من نصف قرن أمضيت في ألف باء ربع قرن تماما فقد بدأت العمل فيها عام 1977 حتى تاريخ غلقها بقرار من قوات الاحتلال الأمريكية اثر دخولها بغداد في 9 نيسان 2003.
مجلة ألف باء لم تصدر في عهد حكم حزب البعث في العراق بل قبل ذلك بنحو شهرين أي في 22 أيار /مايو 1968 في حين تولى البعث الحكم في 17 تموز /يوليو من العام نفسه.
وطوال عمرها الذي امتد 34 عاما عمل فيها صحفيون من مختلف الاتجاهات والقوميات والجنسيات والأديان والطوائف ورغم أنها مجلة حكومية تمولها وزارة الإعلام ولا تخرج عن خط الإعلام الحكومي فان قراءها وجدوا فيها الكثير مما يرغبون فيه بعيدا عن التزمت العقائدي الذي ساد الإعلام العراقي في تلك ألفترة.
عملت في ألف باء مستشارا بعد أن ترك هذه الصفة الصحفي المصري المعروف محمود السعدني وكان ذلك أيام كان الكاتب والصحفي المعروف حسن العلوي رئيسا لتحرير ألف باء وهو من أجرأ من عرفتهم من رؤساء التحرير وكان في ذلك العهد يكتب مقاله الأسبوعي في الصفحة الثانية من المجلة لينتقد كبار المسؤولين في الحزب والدولة مما أثار إعجاب الكثير من القراء بجرأته وشجاعته بمن فيهم الرئيس صدام حسين.
وبعد إبعاد حسن العلوي من ألف باء لعلاقته العائلية بالوزير عدنان الحمداني الذي اعدم عام 1979 تولى رئاسة تحرير ألف باء كامل الشرقي ثم أمير الحلو وقد ربطتني بهما صداقة مازالت حتى الآن.
في ألف باء توليت مسؤوليات متعددة وتنقلت رئيسا أو مشرفا لمعظم أقسام المجلة مثل السياسية أو التحقيقات أو الإخبار أو ألفنية أو الرياضة أو المنوعات غير أن اهتمامي كان الخبر في جميع تلك الأقسام.
وطوال سنوات كنت عضوا في هيئة التحرير وهي هيئة تجتمع اسبوعيا لتمارس النقد لعدد سابق وتضع الخطط للعدد المقبل أو الأعداد المقبلة وقد جرت العادة أني كنت من يبدأ التحدث في تلك الاجتماعات عن مواضيع العدد الجديد مبينا من وجهة نظري والتي ازعم أنها مهنية ومحايدة بما تضمنته المواضيع من أخطاء أو ضعف يستدعي المحاسبة أو تميز يستدعي الشكر والمكافأة.
الاجتماعات الأسبوعية هذه مفيدة وضرورية لكل مطبوع لكي يتطور ولكن المشكلة هي في تقبل الزملاء النقد وقد واجهت الكثير من المشاكل من جراء ذلك وكنت أقول لهم ما قاله الإمام الشافعي ” قولنا صواب يحتمل الخطأ وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب ومن جاء بأحسن منه قبلناه”
مقولة الشافعي أعدها دستورا لكل نقاش وحوار ولو طبقت بأمانة لأثمرت النقاشات وتجنبنا الكثير من المعارك الكلامية أو تلك التي تسيل فيها الدماء عند إصرار البعض على أرائه كما يحدث حاليا في عالم السياسة في بلدي العراق.
في ألف باء مارست بتأييد من رؤساء التحرير تنظيم فعاليات يشترك فيها جمهور القراء انطلاقا من رؤيتي للعمل الصحفي بإيجاد روابط تشد القارئ للمطبوع غير المواضيع المقروءة.
ومن تلك ألفعاليات التي نظمتها وأشرفت عليها :
• مسابقة صيد السمك عام 1986 أصبحت تمارس سنويا وقد نجحت الأولى بمشاركة 220 قارئا بمن فيهم الرئيس صدام حسين وهو من هواة صيد السمك؟
• سباق الدراجات وشارك فيه العديد من القراء في شوارع الأعظمية ببغداد حيث قطعت الطرق والشوارع بالتعاون مع اتحاد الدراجات وشرطة المرور وغيرها من المؤسسات
• مسابقة الشطرنج إذ شارك فيها العشرات من القراء وغيرهم
هذه ألفعاليات مفيدة للعمل الصحفي ليس فقط في زيادة المبيعات بل في إيجاد مواضيع غير تقليدية للمجلة. وفي المجلات والصحف الحديثة توجد أقسام وموظفون مختصون في التسويق مهمتهم تنظيم مثل هذه ألفعاليات.
ومن ألفعاليات التي نظمتها وأثارت استحسان الكثيرين مسابقة لمن يشبه فنانة أو فنانا وقد شارك الكثير من ألفتيات اللواتي يشبهن ألفنانة المصرية ليلى علوي وكذلك المطرب العراقي سعدون جابر وغيرهم.
وفي ألف باء عملت على دعم الكاريكاتير فيها فأصبح ثابتا على صفحتين أو أكثر لرسامين، وكنت أضع أفكار الرسوم لبعض الرسامين مثل الرسام ألفنان الراحل عباس فاضل الذي اشتهر في شخصية ابتكرتها انأ هي الدلالة ” ام ستوري” بما تضمنته رسومها من فضح للفساد المالي والإداري في المؤسسات الحكومية وقد أصدرنا من المجلة مجموعة رسومه في كتاب يحمل في بدايتها رسما للدلالة أم ستوري وهي تطارد عدوين اثنين لها هما عباس وانأ.
وبعد عباس فاضل تبنيت الرسام عادل صبري وشجعته بأفكار الرسوم
غير أن رسامين آخرين لديهم الموهبة في وضع الأفكار والرسوم ولا يتقبلون أفكار غيرهم ومنهم أشهر رسامي الكاريكاتير المرحوم غازي عبد الله و مؤيد نعمة و خضير الحميري وبسام فرج
في الحرب العراقية الإيرانية وكان ألاف الضباط والجنود في الجبهة فكرت في باب انشر فيه مشاكلهم ومشاكل عوائلهم وأدعو المؤسسات الحكومية إلى الاهتمام بهم وقد لقي هذا الباب وكان باسم “رقابة شعبية” اهتماما واسعا وبسبب ما نشرته فقد وزيران على الأقل منصبيها والعديد من مديري المؤسسات الحكومية ومن ذلك ما قاله لي ذات مرة الدكتور عبد الرزاق الهاشمي بعد إقالته من وزارة التعليم العالي إن رقابة شعبية هي التي أدت إلى إقالتي وذلك لأني نظمت حملة صحفية ضد نظام القبول في الجامعات واتضح لي فيما بعد أن الوزراء ومنهم الهاشمي كانوا ضحية لقرارات ليس لهم يد فيها وهي تدخل جهات أخرى في القبول ولم يكن بإمكانهم الاعتراض عليها.
ومما نشرته في باب رقابة شعبية قضية أثارت اهتماما على مستويات كبيرة في الدولة وهي أن امرأة في مدينة الإسكندرية جنوب بغداد ولدت في المستشفى طفلة قالوا لها أنها ميتة وفي الصباح وجدها احد موظفي المستشفى تصرخ في القمامة. وكانت نتيجة ذلك عقوبات شديدة لمدير المستشفى وعدد من الأطباء.
ومن الأبواب التي حرصت على إدخالها في المجلة مثل غيرها من المجلات باب “عزيزي عزوز” وهو يتضمن أجوبة طريفة وساخرة يكتبها صحفي لا نعلن هويته على رسائل القراء. جاءت فكرة هذا الباب من رئيس التحرير كامل الشرقي وقد كتب الحلقات الأولى كاتب ساخر هو الصحفي المعروف داوود ألفرحان وهو الذي اختار اسم “عزوز” للإجابة على رسائل القراء لكنه ترك الباب بعد فترة قصيرة وتوالى على كتابته آخرون من بنهم أنا لفترة قصيرة.
كذلك حرصت على نشر باب حظك هذا الأسبوع مثل بقية المجلات ولأني اضطررت إلى كتابته في بعض الإعداد فقد ثبت لي إن التنبؤات في هذه الأبواب هي محض خرافة.
وخلال عملي في ألف باء انتدبتني المجلة لتغطية أخبار مؤتمرات القمة العربية التي انعقدت في بلدان عربية ومنها المغرب وتونس والأردن.
يكاد أن يكون الغلاف من أهم عناصر المجلات فهو الذي يمكن أن يرفع المبيعات أو يهبط بها إلى الحضيض ، وقد خصص الغلاف لعدة سنوات لصور رئيس الجمهورية لكن رؤساء التحرير استطاعوا في فترات أخرى كسر هذا الالتزام الذي كان يفرضه بعض المحيطين برئاسة الجمهورية وأصبح الغلاف عنصر تشويق بصور لحدث ما أو لمنظر جميل أو وجه حسن.
وقد تعرض رؤساء التحرير إلى ضغوط في النشر ومنها تخصيص الصفحات الملونة الأولى لرئيس الجمهورية ونشاطاته لكن المجلة في خطوة شجاعة خصصت تلك الصفحات لتقارير صحفية عن المدن العراقية كان يكتبها صحفيون بارزون مثل حسن العاني وحميد قاسم وعبد الستار البيضاني وغيرهم.
وفي إحدى المرات جاءنا كتاب رسمي من مكتب حزبي يعترض على نشر مواضيع عن فنانات في الصفحات الملونة وسط المجلة ويقول انه يجب أن تخصص هذه الصفحات للرئيس القائد، ولم ننفذ هذا الطلب بعد أن تأكدنا انه من أشخاص يحاولون التملق للرئيس مثل المئات الذين ابتلى بهم العراق في مختلف العهود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *