بقلم: محسن حسين
كان معظم من دخلوا محراب الصحافة في القرن الماضي تستهويهم شهرة صحفيين كبار كان لهم تاثيرهم في المجتمع وكان من ابرزهم الصحفي الكبير ابراهيم صالح شكر الذي تصادف اليوم 15 ايار ذكرى وفاته.
هذا رجل فريد في تعلقه بالصحافة ودورها في التوعية والنضال ضد الاستبداد والتخلف منذ ان بدأ ممارسة العمل الصحفي حين كان العراق تحت الحكم العثماني ثم فترة الاحتلال البريطاني فالعهد الملكي.
وكنا من هواة الصحافة في اواخر النصف الاول من القرن الماضي نتداول حكايات عن هذا الصحفي وتعلقه بالمهنة الى درجة انه اوصى نجله البكر، رياض،ان يدرس الصحافة وينال (الليسانس من أنكلترا) ، لكن رياضاً توفي عام 1946 فما كان من ابنه الاصغر زميلنا مليح ابراهيم صالح شكر الا تحقيق حلم والده التحق بقسم الصحافة في جامعة بغداد في اول دورة لها وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أكستر البريطانية وكان زميلا لنا في وكالة الانباء العراقية (واع) حتى تاريخ اغلاقها بقرار من المحتل الامريكي عام 2003.
سيرة تستحق ان تروى
وسيرة ابراهيم صالح شكر تستحق ان تروى للاجيال الشابة من الصحفيين فقد كانت سيرته نموذحا لمن استهوته مهنة الصحافة وقرر ان يكون من ضحاياها وهي التي كنا نصفها دائما بعبارة (مهنة المتاعب).
ولا اعتقد ان من الصحفيين العراقيين من واجه المتاعب مثل ابراهيم صالح شكر. تمثلت بكفاحه الوطني المخلص، عبر الصحافة مع ما حل به من مصاعب في حياته.
وقبل ان يبلغ العشرين من عمره، اجتاح وباء الطاعون مدينة بغداد، واهلك الكثير من سكانها، وكان منهم ثلاثة من أفراد عائلته وهم والده ووالدته وجدته لامه، ولم يبق معه إلا شقيقته الصغيرة . وفي ليلة 3 تشرين الثاني 1915م، اعتقلته السلطات العثمانية مع ستين شاباً بسبب حماستهم وكفاحهم من أجل الأستقلال العربي، وتم نفيهم إلى الأناضول في تركيا وتم نقلهم بالقطار وتحت الحراسة إلى سامراء ثم على ظهر الحمير إلى الموصل، ، ولما استبدل المجلس العرفي العثماني لبعض المنفين العقوبة بالنفي للموصل فقط، كان هو منهم، حيث قضى أربعة شهور فيها، وكان يراسل بعض من أقربائه ببغداد لأرسال المال له لسد احتياجاته.
وعند عودته من المنفى وهو لايزال يرتدي العمة والجبة، اختاره أهل محلة قهوة شكر مختاراً لمحلتهم بدلاً عن والده، وهي المحلة التي سميت على اسم جده شكر. واشتهر بانه كان يقدم خدمات المختارية لاهالي محلته بدون مقابل، وكان يرفض الهدايا التي تقدم له، ومنها هدية قطعة ارض في لواء ديالى عرضت عليه من شخص مقابل توقيع المختار لتخليصه من دعوى قضائية مقامة ضده.
سنوات العمل الصحفي
يعتبر عمل إبراهيم صالح شكر عام 1909في جريدة بين النهرين، لصاحبها محمد كامل الطبقجه لي باكورة عمله الصحافي ثم في جريدة النوادر التي اصدرها محمود الوهيب عام 1911م، وكتب فيهما موضوعات أدبية، وقد اصبح إبراهيم صالح شكر محرراً في مجلة الرياحين التي اصدرها إبراهيم منيب الباجه جي في 25 نيسان 1913م، وقام إبراهيم صالح شكر وحده في نيسان 1913م، باصدار مجلة أدبية اسماها شمس المعارف، والتي صدر منها 18 عدداً. وفي عام 1921م، ووحده أيضا اصدر مجلة شهرية اسماها (جامعة الناشئة)، مكرساً صفحاتها للأدب العراقي، وقد كتب فيها عدد من الادباء المعروفين منهم محمد رضا الشبيبي، و حسين البياتي، و محمد بهجة الأثري، و عبد المسيح وزير، و رفائيل بطي، و محمد الشماع، و سلمان الشيخ داود، و شكري الفضلي، و محمد رؤوف الكواز، و عبد الحسين الأزري، ومحمود محمد، ونشرت شعراً لجميل صدقي الزهاوي، ومقالات لجبران خليل جبران، و المنفلوطي، وصدر منها ثلاثة أعداد قبل ان تعطلها الحكومة.
وفي عام 1922م، عاد ليصدر (الناشئة الجديدة) جريدة اسبوعية ، وبدأ فيها اولى كتاباته السياسية، وتعرضت للتعطيل عدة مرات، احداها بقرار شخصي منه، لتعرضه لحادث اعتداء مقابل بيت لنج في شارع الرشيد، قيل انه بتحريض من بعض السياسين. وفي 4 آيار 1924م، شارك رفائيل بطي في اصدار جريدة الربيع، وعمل فيها رئيساً للتحرير، ولكن الحكومة عطلتها بعد العدد الأول. واشترك في الكتابة لجريدة الأدب التي اصدرها محمد باقر الحلي في 7 أيلول 1924م، وصدرت منها ثلاثة أعداد وتوقفت، ثم أعاد كامل السامرائي إصدارها في 6 شباط 1925م، واحتجبت ، كما كاتب جريدة الفضيلة التي اصدرها عبد الرزاق الحسني عام 1925م، وجريدة التجدد لمحمود الملاح عام 1930.
معترك الصحافة السياسية
دخل إبراهيم صالح شكر معترك الصحافة السياسية عندما اصدر بتارخ 11 تموز 1927م، جريدته الزمان الاسبوعية ولكنه كتب على صفحتها الاولى(يومية ادبية سياسية اجتماعية انتقادية) ، وكان هو صاحبها ورئيس تحريرها، وهو أول من اصدر جريدة في العراق بهذا الاسم، وعاشت 44 عدداً، وتعطلت عدة مرات، مرة بقرار من حكومة جعفر العسكري، و مرة بقرار من حكومة عبد المحسن السعدون، ومرة بطلب من المندوب السامي البريطاني. وفي الزمان شن حملته السياسية ضد الانتداب البريطاني، ومعاهداته، وأذناب الأنكليز في العراق. ودعا إلى حرية التعبير والصحافة، والتجنيد الإجباري، وطرد الاجانب من الوظائف العراقية، وناصر الطلبة المتظاهرين ضد زيارة الصهيوني الفرد موند. وانتقد المربي ساطع الحصري لجلبه مدرسين اجانب لتدريس مادتي الجغرافية والتاريخ، وطالب باستبدالهم بمدرسين عراقيين. وكان إبراهيم صالح شكر قد رشح نفسه للمجلس النيابي في 30 آذار 1928م، عن منطقته باب الشيخ، وكانت تتم على مرحلتين، فاز في المرحلة الأولى، ولكن تدخلات الحكومة في المرحلة الثانية احبطت فوزه، ولم يكرر المحاولة بعد ذلك. واستمر في عمله الصحافي وفي عام 1930م، كتب مقالات مجلة الوميض التي اصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول 1930م، ثم اصبح رئيساً لتحرير جريدة الأماني القومية التي اصدرها عبد الوهاب محمود، ولم يصدر منها غير عددها الأول في 30 تشرين الأول 1931م، وعطلتها الحكومة.
الوظائف التي شغلها
قضى إبراهيم صالح شكر في الوظيفة العامة لدى الحكومة العراقية بشكل عام 13 سنة و 28 يوماً، شغل خلال تلك الفترة وظائف ادارية منها مدير ناحية وقائممقام وغيرها في عدد من نواحي واقضية العراق
وفاته
شعر إبراهيم صالح شكر بدنو اجله فكتب رسالة يرثي بها نفسه وجهها إلى صديقه في بيروت أمين نخلة، ويطلب منه ان يستعد لرثائه. حيث ابتلى في سنواته الأخيرة بمرض السكري وداء السل، وقد اجتمعا وسارا به إلى الموت مساء 15ايار /مايس 1944م، ووري الثرى في مقبرة الغزالي عن عمر ناهز الخمسين عاماً، ليسدل الستار على نابغة عاش بين المآسي والأحلام وحب الوطن وعشق الصحافة، تاركاً إرثاً من التراث والتأريخ للصحافة ولجميع الصحفيين في العراق.-