صحيفة طريق الشعب: الحريات الصحافية تعيش واقعا مرعبا وتحديات تذكّر الإعلاميين بالحقبة الدكتاتورية
رغم أن الدستور العراقي يكفل حرية الصحافة والتعبير، إلا أن هذه الحقوق باتت تواجه تحديات خطيرة تهدد وجودها واستمراريتها؛ فقد شهد العام الحالي تصعيدا ملحوظا في الانتهاكات ضد الصحفيين والإعلاميين، مسجلا أرقاما غير مسبوقة في حالات الاعتقال، والاحتجاز، والتهديد، والاعتداءات الجسدية، إضافة إلى منع التغطيات وملاحقات قانونية كيدية. ولا تتوقف الانتهاكات عند الأفراد، بل تمتد إلى المؤسسات الإعلامية التي تعرضت للحجب والإغلاق، في وقت تتنامى فيه القيود المفروضة على المحتوى الإعلامي من قبل جهات حكومية وأخرى متنفذة.
هذه الانتهاكات المتكررة لم تعد تقتصر على المناطق الساخنة أو أوقات الأزمات، بل أصبحت نهجًا يعكس تراجعًا خطيرًا في احترام المعايير الدولية لحرية الصحافة، ما أدى إلى خلق بيئة عدائية تجاه الصحفيين، حيث باتوا يواجهون مخاطر يومية على حياتهم وأعمالهم.
وفي ظل غياب إجراءات رادعة لحماية الصحفيين، وضعف الإرادة السياسية للتصدي لهذه الظاهرة، يبدو أن المشهد الإعلامي في العراق يتجه نحو مزيد من التضييق والتراجع، وسط دعوات محلية ودولية لوقف هذه الممارسات وحماية العاملين في مجال الإعلام.
عام من الرعب
وأصدرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، تقريرها السنوي تحت عنوان: “عام من الرعب .. حالة طوارئ ضد الصحافة تقود لمحاكم وسجون وحظر”.
وأشّر التقرير تدهورا ملحوظا للحريات الصحافية في العراق خلال العام الحالي، حيث سجلت الانتهاكات ضد الصحفيين ارتفاعا غير مسبوق. تضمنت هذه الانتهاكات الاعتقال والاحتجاز والتهديد بالقتل، بالإضافة إلى منع التغطيات، وضرب الصحفيين، ورفع الدعاوى الكيدية ضدهم، مشيرا الى ان المؤسسات الإعلامية طالتها ممارسات تضييق، مثل إغلاق المواقع وحجب البرامج.
ولاحظ التقرير، ان هذه الممارسات تتزامن مع ضعف الإجراءات القانونية لحماية الصحفيين وتورط بعض الجهات الرسمية في الانتهاكات. ونتيجة كل ذلك وصل مجمل الانتهاكات في العام 2024 الى (457) توزعت بين ضحايا الصحفيين والاعتقال والإصابات، فضلا عن مداهمة أو اقتحام أو هجوم مسلح ضد منازل الصحفيين ومقار وسائل الإعلام، واعتداء بالضرب، ومنع أو عرقلة العمل، ورفع دعاوى قضائية.
وواصل التقرير، ان تلك الانتهاكات توزعت على النحو الآتي: ضحايا الصحفيين (5) قتلى وإصابة بليغة واحدة، واعتقال (23) حالة، واحتجاز (11) حالة، و(7) هجمات مسلحة، فيما وصلت حالات منع وعرقلة تغطية لـ (281) حالة، واعتداء بالضرب (16) حالة، ورفع دعاوى قضائية ضد الصحفيين (68) حالة، ومخالفات هيئة الإعلام والاتصالات (17) حالة، وحظر وحجب (9) مواقع خبرية وبرامج تلفزيونية وحسابات صحفيين، ومخالفات نقابة الصحفيين العراقيين (7) حالات. وبالنسبة للتهديدات المباشرة للصحافيين كان عددها (2) حالة وأخرى (10) حالات”. وبحسب رصد الجمعية على مدار الأشهر الماضية، سجل شهر أيار، أعلى الانتهاكات بـ (82) حالة، يليه نيسان بـ(58) حالة من المجموع الكلي للانتهاكات خلال العام. وعلى صعيد المحافظات، احتلت بغداد صدارة المدن الأكثر انتهاكا ضد الصحفيين بـ(105) حالات، تلتها أربيل بـ (103) حالات انتهاك.
مؤشرات مخيفة
وفي هذا الصدد قالت ريا الخفاجي، المدير التنفيذي لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة: ان التقرير “يعبر عن انتكاسة مهولة للأسرة الصحافية بالعراق، فالأرقام التي سجلتها الجمعية على مدار أشهر هذه السنة، سجلت ارتفاعا خطيرا بأعداد الانتهاكات ونوعها، وهذا ما خلق بصراحة واقعا غير منصوص عليه في الدستور، الذي يحمي ويكفل حرية العمل الصحافي ويحمي حرية التعبير”.
وأضافت الخفاجي قائلة لـ”طريق الشعب”، أن “كمية الانتهاكات وشكلها ونوعها كلها تبين انه لا يوجد عمل بالدستور، بما يحمي العمل الصحافي وبيئته”، مبينة ان “هيئة الإعلام والاتصالات لم تكن داعماً أساسياً للعمل الصحافي والصحافيين. ونقابة الصحافيين كذلك لم تدعم او تدافع عنهم نهائياً من الانتهاكات التي تعرضوا لها”.
وفي ما يخص الانتهاكات قال الخفاجي ان “عدد الانتهاكات سجل ارتفاعاً قياساً بالعام الماضي. حيث سجلنا 333 انتهاكا في العام 2023، بينما في العام الحالي سجلنا 457 حالة انتهاك، توزعت بين ضحايا صحافيين واعتقالات واصابات، فضلاً عن ضرب ومنع وعرقلة وما الى ذلك”.
وتابعت قائلة إنّ هذه المؤشرات “مخيفة بالنسبة لحقوق الإنسان وحرية العمل الصحافي في العراق، إذ حتى تقرير الجمعية صدر تحت عنوان (عام من الرعب) وحالة طوارئ ضد الصحافة، تقود لمحاكم وسجون وحظر. وهذا ان دل على شيء فيدل على اننا خرجنا من خانة التهديدات والوعيد الى حقبة جديدة تقودها الحكومة الحالية، والتي تحولت الى محاكم وسجون وحظر ودعاوى قضائية”.
وزادت بالقول: ان “هذا الاستمرار بالإقصاء والإبعاد والإيغال بالتضييق على الحريات الصحافية، وحظر مواقع اخبار والنيل من بعض الصحفيين وبالتعاون مع هيئة الاعلام والاتصالات، يدل على اننا نتوجه نحو نظام بوليسي خال من الديمقراطية وحرية التعبير”.
وواصلت القول: “حاولنا في الحقبة الاخيرة جاهدين ـ مع كل الجهات المعنية ـ إقرار وانفاذ القوانين الداعمة لحرية العمل الصحفي وحرية التعبير والتظاهر السلمي وحق الحصول على المعلومات، لكن لم نجد استجابة مأمولة؛ فما موجود من مسودات داخل مجلس النواب مجرد مسودات ركيكة ضعيفة، تحمل بين طياتها الكثير من الفقرات المطاطية التي تتيح لهم محاربة حرية التعبير والعمل الصحافي”.
وأكدت ان “الادعاءات بمشاركة بعض الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني في كتابة هذه المسودات غير صحيح تماماً، فهناك رفض حكومي لتدخل اي منظمة مجتمع مدني”.
قمع غير مسبوق
من جهته، قال الصحافي صالح الحمداني، الذي واجه اخيراً اجراء تعسفيا بحقه وموجة من التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب تدوينة نقدية ساخرة له على حسابه في منصة (x): ان هناك “ضغوطات على حرية التعبير، وهناك تقصير برلماني وحكومي في مسألة الغاء القوانين الدكتاتورية التي سنها البعث البائد، والتي تحد من الكثير من الحريات والتي لا تتناسب مع دولة تدعي انها ديمقراطية”.
وأضاف الحمداني في حديث مع “طريق الشعب”، “اننا لم نغادر قضية كتابة التقارير كما كان في عهد البعث، فهناك إعلاميون يعملون في المكاتب الحكومية للوزارات والرئاسات، يحرضون المسؤولين على الصحافيين”، واصفا هؤلاء بـ”ورثة الدولة الدكتاتورية”.
ولاحظ، ان هناك توجها وسياسة حكومية جديدة تعمل على تقييد الحريات الصحافية وحرية التعبير عن الرأي.
ونوه إلى ان “وظيفة الصحافي هي الانتباه ورصد كل ما هو سلبي، والإشارة اليه، وتنبيه المسؤول إلى مكامن الخلل والإخفاق”، مشيرا الى أن المسؤول يعتبر شخصه مقدساً، ويجد نفسه غير قادر على تقبل اي نقد.
وواصل القول: إنّ “الدولة العراقية لا تزال تعتمد على قوانين تعسفية سُنت منذ عام 1969؛ فهذه القوانين التي كان قادة اليوم يعانون منها على يد البعثيين، لكنهم الان باتوا يستخدمونها ضد الصحافيين”.
ولفت الحمداني إلى انه “في ظل هذه الممارسات، والتقييد والأسلوب المتبع، فنحن نعيش في نظام بوليسي قمعي، يمارسون فيه الترهيب والابتزاز والترويع وقطع مصدر الرزق للصحافي الذي يغرد خارج النسق، ليكون عبرة لكل الصحافيين الآخرين”.
وشدد على “حاجتنا الى مؤسسات قوية، ونقابات قوية، ونقابة للصحافيين تحميهم وتدافع عنهم، وبرلمان يدافع عن الشعب لا يتقاسم الكعكة، وأحزاب ديمقراطية حقيقية”.
واستعرض الحمداني قصة تعرضه للظلم والتعسف في قرار انهاء عمله في التلفزيون الرسمي، قائلا: ان هناك تنافسا داخل الوسط الإعلامي على رئاسة شبكة الإعلام ورئاسة مجلس الأمناء والبرامج والمناصب، وهذا التنافس افرز حملات تسقيط وضغوطات، والتي طالتني شرارتها، حيث قام مدير احدى القنوات الفضائية المنافسة للقناة العراقية، والذي يرغب في ان يكون رئيساً للشبكة أو مجلس الأمناء، قام بتوظيف احدى تدويناتي في الانتقاص من إدارة الشبكة، من الاستحواذ على هذا المنصب”.
استسهال تقديم الشكاوى
فيما أبدى الدكتور حسن الجنابي، وزير الموارد المائية الاسبق، استغرابه من “استسهال تقديم الشكاوى من قبل رئاسة الحكومة ضد الآراء المعلنة للشخصيات العامة، في وقت تسوّق فيه الحكومة بعض المنجزات الملموسة على مستوى الخدمات في البنى التحتية”، معتبرا ذلك يخلق تناقضا ولا يسهم في تعزيز الإنطباع الذي يوحي بأن رئاسة الحكومة معنية بالأفعال وتقديم الخدمة أكثر من الآراء والاجتهادات المختلفة للشخصيات المعنية بالشأن العام.
ودعا الجنابي رئيس الحكومة إلى إسقاط الشكوى ضد الإعلامية زينب ربيع، والشكاوى الأخرى المشابهة لها: “التنوع في الآراء هو عامل قوة ودعم وليس العكس”.
صحيفة طريق الشعب